ما هو البرزخ؟
البرزخ هو الحاجز والحدّ الفاصل بين الشيئين. قال تعالى: { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ } [الرحمن: 19، 20] فقد فُسّرت هذه الآية بأنّه الحاجز بين الماء المالح والماء العذب.
وقيل إنّ البرزخ هو الحدّ الفاصل بين الدنيا والآخرة. أو بين الموت والبعث. قال تعالى: { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [المؤمنون: 100] وفي تفسير هذه الآية قال الإمام السجّاد (عليه السلام): “هو القبر. وإنّ لهم فيه لمعيشة ضنكاً، والله إنّ القبر لروضة من رياض الجنّة. أو حفرة من حفر النار…”(1).
وقيل: إنّه الحاجز لهم من الرجوع إلى الدنيا والإمهال إلى يوم القيامة. وكلّ هذه المعاني متقاربة ترجع إلى معنى واحد ظاهراً.
وقد تحدّثت الروايات الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه واله) والأئمّة الهداة (عليهم السلام) عن أحوال البرزخ وأهوال القبر وسوف نشير إلى أهمّها:
1- ضغطة القبر:
حيث لا ينجو منها إلّا القليل القليل من عباد الله المؤمنين الصالحين.
يروي أبو بصير قال: “قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال: فقال (عليه السلام): نعوذ بالله منها، ما أقلّ ما يفلت من ضغطة القبر… وإنّ رسول الله (صلى الله عليه واله) خرج في جنازة سعد وقد شيّعه سبعون ألف ملك، فرفع رسول الله (صلى الله عليه واله) رأسه إلى السماء، ثمّ قال: مثل سعدٍ يُضمّ! …” (2).
وورد في وصف شدّتها أنّ الأرض تضمّ الميت ضمّة تفري اللحم، وتطحن الدماغ. وتذيب الدهون. وتخلط الأضلاع. غير أنّ الشدّة والضعف فيها يدورانِ مدار قوّة الإيمان وضعفه أو عدمه عند الميت.
روي عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال. قال رسول الله (صلى الله عليه واله): “ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم”(3).
ومن أهمّ أسباب هذه الضغطة سوء الخلق مع الأهل. كما ورد في الخبر المتقدّم عن سبب ضغطة سعد. والنميمة وكثرة الكلام والتهاون في الطهارة. وهذه الضغطة لا تنحصر بالأرض فقط. بل ورد أنّ الهواء له ضغطة. والماء له ضغطة أيضاً.
2- سوء العذاب في القبر:
قال الله تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } [طه: 124]. ويروى في تفسيرها عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله:
“وإنّ المعيشة الضنك الّتي حذّر الله منها عدوّه عذاب القبر…”(4).
وهذا العذاب يختصّ بغير المؤمنين المقرّبين؛ لأنّ قبر المؤمن روضة من رياض الجنّة، وأمّا الكافر فهو الذي قبره حفرة من حفر النيران، ينال فيه سوء العذاب. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: { فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } [الواقعة: 88، 89] قال في قبره، ﴿وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾، قال في الآخرة، { وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } [الواقعة: 92 – 94]، في القبر ﴿وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾، في الآخرة (5).
3- قرين السوء:
وهو العمل السيّئ الّذي يرافق الإنسان العاصي في قبره، ويكون معه إلى يوم حشره وحسابه.
يروى عن قيس بن عاصم أنّه قدم على رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال له (صلى الله عليه واله): “… يا قيس، لا بدّ لك من قرين يدفن معك وهو حيّ، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريماً أكرمك وإن كان لئيماً أسلمك، ثمّ لا يحشر إلّا معك، ولا تحشر إلّا معه، ولا تسأل إلّا عنه، ولا تبعث إلّا معه، فلا تجعله إلّا صالحاً، فإنّه إن كان صالحاً لم تأنس إلّا به، وإن كان فاحشاً لم تستوحش إلّا منه، وهو عملك…”(6).
وروي عن الزهراء (عليها السلام) عن أبيها (صلى الله عليه واله) في رواية التهاون في الصلاة أنّ من آثارها في القبر ثلاثة: “وأمّا اللواتي تصيبه في قبره فأولاهنّ يوكّل الله به ملكاً يزعجه في قبره، والثانية يضيّق عليه في قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره”(7).
4- الندم وطلب الرجوع:
ويا لها من حسرة ما بعدها حسرة، أن يستيقظ الإنسان من نومته وغفلته، فيرى نفسه ميتاً قد أُخذ إلى قبره “الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا”(8).
فيتحسّر على ما فرّط في جنب الله، ويسأل الله الرجعة إلى الدنيا: { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [المؤمنون: 99، 100].
قال في إرشاد القلوب: “إنّه يقول هذه الكلمة لما شاهده من شدّة سكرات الموت، وأهوال ما عاينه من عذاب القبر وهول المطّلع، ومن هول سؤال منكر ونكير، قال الله تعالى: { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [الأنعام: 28] (9).
المصدر : في رحاب الأخلاق ص 95 ـ 106 نون للتأليف والترجمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار، المجلسيّ، ج6، ص159.
(2) الكافي، الكلينيّ، ج3، ص236.
(3) بحار الأنوار، المجلسي، ج6، ص221.
(4) المصدر نفسه، ص218.
(5) المصدر نفسه، ص217.
(6) المصدر نفسه، ج74، ص177.
(7) مستدرك الوسائل، الميرزا النّوريّ، ج3، ص 23.
(8) بحار الأنوار، المجلسيّ، ج4، ص43.
(9) إرشاد القلوب، الديلميّ، ج1، ص56.