الإِمَامُ عَلِيُّ الهَادِي (عَ) نُورٌ يَتَأَلقُ فِي الظَّلَامِ العَبَاسِي
الشيخ الحسين أحمد كريمو
حلَّ علينا شهر رجب الأصب ببركاته، وشعَّ على الكون بأنواره، وهلَّ على الأمة بخيراته إن شاء الله تعالى، فهذا الشَّهر الكريم هو شهر عظيم البركة، وساطع الأنوار، ومن مناسباته العظيمة أن ولادة الإمام العاشر من أئمة المسلمين علي الهادي (ع) ولد فيه، واستشهد فيه أيضاً.
ففي الثاني من رجب المرجَّب عام 212ه ولد في قرية أو مزرعة صِريا على أميال من المدينة المنورة، وعاش سنوات قليلة مع أبيه الإمام التاسع محمد الجواد (ع) حيث تحمَّل مسؤولية الإمامة والقيادة في الأمة وهو في الثامنة من عمره الشريف، ولكنه قام بالأمر لأكثر من 34 عاماً بحيث أنه كان النور المتألق حقاً، في عصر بني العباس المظلم فعلاً.
الفضل ما شهدت به الأعداء
الإمام علي الهادي (ع) عاصر خمسة أو ستة من طغاة بني العباس. وفيما يُسمى بالعصر الثاني حيث بدأت الدَّولة بالتراجع والتَّسافل. بعد أن بدأت في حكامها وسلاطينها الميل إلى اللهو والغناء والطرب والفسق والفجور وتركوا الأمة مهملة. بل شغلوها بنفسها وهم اشتغلوا بأنفسهم وجواريهم وغلمانهم. وصارت الدولة لعبة بيد الأتراك ورجالهم من العسكر. ولم يكن في الأمة مشعلاً من النور إلا الإمام علي الهادي الذي كان يُشع نوراً وضياء. في سماء الأمة التي أظلمت بسبب الظلم العباسي.
لهو خير أهل الأرض
والإمام الهادي (ع) تعرَّض له العباسيون منذ نعومة أظفاره حيث بعث المنصور العباسي له مؤدِّباً ومربياً ومعلماً ليحرفه عن الدِّين والصِّرط المستقيم كما كان يظنُّ. وفعلاً أوكَل به رجلاً من النَّواصب وأكثر أهل المدينة بغضاً لأهل البيت (ع) وهو الجُنيدي، ولكن عندما عاشر الإمام ورأى من آيات فضله، وعلمه، ونوره، فوقف متحيِّراً حتى قال: (والله تعالى لهو خير أهل الأرض. وأفضل مَن برأه الله تعالى.. هذا الصَّبي الصغير نشأ بالمدينة بين الجدران السُّود فمن أين عَلِم هذا العلم الكبير؟).
فكان مطمح الأنظار. ومحط العيون الباحثة عن الحقيقة والهداية والدِّين في المدينة المنورة لأنه أخذ كرسي ومكان والده الإمام الجواد (ع). وراح ينشر علوم الدِّين والفقه والأحكام ولهذا كان المتوكل العباسي يخاف منه. وهو في قمَّة السلطة في بغداد والإمام الهادي (ع) في المدينة لا يملك إلا علمه ونوره وفضله ورسالته. وكان أقرب المقربين من المتوكل يدين لله بالولاية لهذا الإمام العظيم (ع) كما تؤكد السيرة الولائية للإمام الهادي (ع).
وكان المتوكل يقول متبرماً غاضباً: (ويحكم قد أعياني أمر ابن الرِّضا! أبى أن يشرب معي، أو ينادمني. أو أجد منه فرصة في هذا). ولذا حاول مراراً وتكراراً أن يحطَّ من قيمته فيرفعه الله. وأن يتخلَّص منه فينجيه الله منه. ومن مكائده ومؤامراته حتى دعا عليه وخلَّص الأمة من رجسه وطغيانه. لا سيما وأنه كان يحارب أهل البيت (ع) وينتقص حتى أمير المؤمنين فقتله ولده لأجل ذلك. وحرث قبر الإمام الحسين (ع) في كربلاء، ومنع الناس من زيارته ونادى المنادي: مَنْ وجدناه عنده أرسلناه إلى المطبق (السجن).
ولذا الإمام علي الهادي وثَّق رباط الأمة بالثقلين من جديد، فعمل أعمالاً عدَّة تعيد الأمة إلى دينها فكان منه:
1-الزيارات المختلفة: التي وثَّقت الرِّباط بين الأمة والأئمة (الزيارة الجامعة، وزيارة الغدير، وزيارة الإمام علي بن موسى الرِّضا)، فهذه الزيارات بطريقتها، وحجمها، وأسلوبها العجيب من حيث البلاغة والفصاحة والنَّظم، وهي التي مازالت الأمة تعيش وتزور بها في المراقد المقدسة، ولم يكتف بذلك الإمام الهادي (ع) بل كان يُرسل بعض أصحابه ليزور عنه كربلاء المقدسة وهو في مرضه، ولما قال له المبعوث: يُرسلني إلى الحائر وهو بمنزلة بمَنْ في الحائر فقال (ع): (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَفْضَلَ مِنَ اَلْبَيْتِ وَاَلْحَجَرِ وَكَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِمُ اَلْحَجَرَ، وَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَاعاً يُحِبُّ أَنْ يُدْعَى فِيهَا فَيَسْتَجِيبَ لِمَنْ دَعَاهُ، وَاَلْحَائِرُ مِنْهَا).
2-نظام الوَكالة: بحيث جعل له وكلاء في البلدان ومختلف الأقطار فوثَّقهم وراسلهم وجعلهم وسيلته في التواصل مع الأمة، فهذه الفكرة الإبداعية في الإدارة هي التي هيَّأت الأمة لعصر الغيبة الصغرى، ثم الكبرى، حتى لا تضيع الأمة أو تترك هَمَلاً.
وهذه في الحقيقة فرَضَتها الظروف القاسية، والظلم العباسي الذي أحاط بالإمام الهادي (ع) حيث وُضِع في الإقامة الجبرية في مدينة العسكر سامراء وفُرض عليه سجنا مفتوحاً وأحياناً مغلقاً، وعلى كل الأحوال كان مراقباً وتُعدُّ عليه أنفاسه الشريفة، وعليه أن يمرَّ في كل يوم عدَّة مرات على الدِّيوان لتسجيل حضوره، وممنوعاً عليه لقاء أحد من شيعته وأتباعه فكانت فكرة الوكلاء لتجاوز كل هذه الحدود والقيود التي فرضتها السلطة العباسية الظالمة على الإمام الهادي (ع).