ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقتطفات من خطاب العاشر من المحرّم للأمين العام لحزب الله سماحة السيّد حسن نصرالله بتاريخ 29/7/2023، والتي يتحدّث فيها سماحته في موضع القرآن المجيد والمقدّسات ويشدّد على ضرورة أن يفهم العالم أنّ الأمّة الإسلاميّة لا تتحمّل الإساءة إلى رموزها ومُقدّساتها، ويشير السيّد نصرالله إلى إصرار الصهاينة على تدنيس المسجد الأقصى مؤكّداً على وجوب أن يسمع العدوّ موقفاً حازماً وحاسماً من جميع المسلمين في العالم. كما يتطرّق سماحته إلى الأوضاع في سورية ولبنان واليمن.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله والطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليك منّي سلام الله أبدًا ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد منّي لزيارتكم، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
السلام عليكم جميعًا أيها الحسينيون وأيتها الزينبيات ورحمة الله وبركاته.
…أمس قلنا أنّ عنوان مسيرتنا هنا هو الدفاع عن الثقلين: الكتاب (كتاب الله) والعترة (أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). أولًا، في موضوع كتاب الله والمصحف الشريف، يجب أن تفهم حكومة السويد وحكومة الدنمارك، ويجب أن يفهم كلّ العالم أنّنا أمّة لا تتحمّل الاعتداء والإساءة إلى رموزها وإلى مُقدّساتها، لا إلى مصحفها ولا إلى نبيها ولا إلى مسجدها الأقصى وقبلتها الأولى، نحن أمّة لا تتحمّل ذلك، تركيبتُنا الثقافية والأخلاقية والروحية والوجدانية منذ البداية في مئات السنين، نحن هكذا، نرفض هذا الضيم، هذا الهوان، هذا العدوان. إذا كان هناك أمم في العصر الحاضر لا تهتم ولا تهتز ولا تتأثّر عندما يُساء إلى رموزها المُقدّسة وإلى مُقدّساتها الدينية وبالتالي تتعاطى مع هذا الإعتداء بلا مُبالات أو قد تجد له فلسفة من نوع حرية التعبير، أمّة الملياري مُسلم ليست كذلك، لا في وعيها ولا في وجدانها ولا في تفكيرها ولا في أخلاقها ولا في تاريخيها ولا في حاضرها، هذا أولًا يجب أن يكون مفهوما لكلّ العالم.
الإصرار الذي حصل خلال الأيام القليلة الماضية، في الدنمارك أُعيد إحراق المصحف الشريف والإساءة إلى المصحف الشريف، غير الإحراق، يعني أجلّكم الله وضعوا نِعالًا على المصحف، وفي حماية الشرطة الدنماركية، وعندما جاء البعض ليستنقذ هذا المصحف تعرّض للضرب وللأذى وللإهانة، هذا عدوان على الإسلام، عدوان على ملياري مُسلم في هذا العالم. بعد أيام هناك اجتماع لوزراء خارجية الدول الإسلامية تحت عنوان “منظمة التعاون الإسلامي”، المسلمون في العالم سينتظرون نتائج هذا الاجتماع، ونحن منهم، على الدول الإسلامية ووزراء خارجيتها أن يتّخذوا قرارات بمستوى العدوان والاعتداء والانتهاك والإصرار الذي حصل على هذا الاعتداء، في السويد والدنمارك، وأن يُبلّغوا رسالة حازمة وحاسمة وقاطعة لهذه الحكومات بأنّ الاعتداء مُجدّدًا سيُقابل بالمقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية، إن لم يفعلوا ذلك فهم ليسوا بمستوى الدفاع لا عن دينهم ولا عن مِصحفهم ولا عن نبيهم، إذا لم يفعلوا ذلك أنا أقول لكم في يوم رفض الذل وإباء الضيم، إنّ على شباب المسلمين في العالم، إنّ على شباب المسلمين الغيارة والشجعان في العالم أن يتصرّفوا بمسؤوليتهم حينئذٍ، وأن يُعاقبوا هؤلاء المُعتدين المُدنّسين الذين تمتدّ أيديهم لحرق القرآن أو الإساءة إليه، ولا ينتظروا أحدًا ليُدافع عن مِصحفهم وعن قُرآنهم وعن دينهم، كلّ شباب المسلمين في العالم سيكونون في حِلٍّ إن لم تتحمّل الدول الإسلامية مسؤوليتها وإن لم تتوقّف هذه الحكومات عن الاعتداء، وسيرى العالم إن شاء الله، سيرى العالم شجاعة هؤلاء الشباب وغيرة هؤلاء الشباب وحَمِيّة هؤلاء الشباب الذين هم حاضرون بأن يَفتدوا نبيهم وكتابهم ومِصحفهم بأرواحهم ودمائهم. نحن قلنا أنّ شعارنا المركزي اليوم هو هذه الكلمات الثلاث، هذه الجمل الثلاث، لنُعيدها كما في ليلة الأمس، مُجتمعين ونُسمعها للعالم، لبيك يا قرآن، لبيك يا حسين، لبيك يا مهدي.
ثانيًا، الإصرار على تدنيس المسجد الأقصى من قبل هؤلاء الصهاينة المُتطرفين المتوحشين، والتهديد الدائم لهذا المكان المُقدّس عند المسلمين جميعًا. أيضًا يجب أن يسمع العدو من جميع المسلمين في العالم موقفًا حازمًا وحاسمًا وواضحًا، اجتماع وزراء منظمة التعاون الإسلامي يجب أن يتّخذ موقفًا في هذه المسألة أيضًا، خصوصًا أنّ المسجد الأقصى قبل أيام تعرّض لانتهاكٍ كبير من هؤلاء القذرين المُعتدين المحتلين، وأن يُفهم عالمنا الإسلامي وشبابنا في العالم، يجب أن يُفهموا هذا العدو ما هي العواقب الوخيمة للمسّ بهذا الجزء العزيز من مُقدّساتنا الإسلامية.
ثالثًا، قضية فلسطين في هذا الزمن هي الحقّ الواضح البيّن، والكيان الصهيوني هو الباطل الواضح البيّن، هو المُنكر الأعظم في منطقتنا، والشر المطلق في منطقتنا، وجرثومة الفساد في منطقتنا، والغُدّة السرطانية في منطقتنا، في جسد منطقتنا، هذه المنطقة التي لن ترتاح قبل اجتثاث واقتلاع هذه الغُدّة السرطانية وجرثومة الفساد هذه. اليوم الشعب الفلسطيني أكثر من أيّ زمن مضى يُؤمن بالمقاومة، يمشي في خيار المقاومة، يُراهن على المقاومة في داخله وعلى محور المقاومة في المنطقة، ويُقدّم الشهداء في كلّ يوم، ويُقاتل في كلّ يوم، بالسيارة، بالسكين، بالحج، بالعبوة المُصنّعة محلّيًا، بالمسدس، بالرصاص. هذا الشعب الفلسطيني المظلوم والمُجاهد والمقاوم والمضحي والصابر حقّه على جميع أحرار العالم أن يدعموه وأن ينصروه وليس فقط على مُسلمي العالم.
هنا من الضاحية الجنوبية نُؤكّد وقوفنا في حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان بكلّ ما نستطيع إلى جانب مُقاومة الشعب الفلسطيني ونعتبر معركته معركتنا، معركتنا واحدة ومصيرنا واحد وكرامتنا واحدة ومستقبلنا واحد في هذه المنطقة، ولن يكون إلا انتصار إرادة المقاومين وزوال هذا الكيان الغاصب عن فلسطين إن شاء الله، إنّهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا.
رابعًا، في قضايا المنطقة.
ما زال شعب اليمن العزيز يُعاني من الحصار ومن أثار العدوان، الهدنة غير الرسمية ليست كافية، هناك شعب اعتُدي عليه وشُنّت عليه الحرب لسنوات، وصمَدَ وصبر وقاوم ببسالة، وقدَّم عشرات آلاف الشهداء والجرحى، من الرجال والنساء والولدان ومن الجرحى والأسرى والبيوت المُهدّمة والأرزاق المُدمّرة، وتقدّمته قيادة شجاعة وحكيمة وعزيزة تُقدّر الموقف بكلّ مسؤولية ودقّة، وشعب آمن بالجهاد والمقاومة وآمن بكربلاء وقادة كربلاء وثقافة كربلاء وروح كربلاء، ولذلك قدّم هذا الصمود الأسطوري خلال كلّ هذه السنوات مع عظيم العدوان وكثرة قوى التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. من حقّ هذا الشعب اليمني العزيز أن يتوقّف العدوان عليه وأن يرفع الحصار عنه وأن يعود إلى حياته الطبيعية، وفي حال الإمعان والمُماطلة والإصرار من حقّه أن يأخذ قراره وخياره المُناسب ويجب أن يدعمه الجميع في خياره، لأنّه خيار المظلومين والمُعتدى عليهم والمُطالبين بحقوقهم.
كذلك في المُعاناة المستمرة في سورية وعقوبات قانون قيصر عليها، القانون الأمريكي الجائر والحصار الأمريكي المفروض لإخضاعها بعد الفشل العسكري والسياسي في ذلك. يجب على كلّ حرٍّ وشريف في منطقتنا وفي العالم أن يجهد لكسر هذا الحصار الظالم والجائر والمُستبّد واللاإنساني والمتوحّش.
كذلك في البحرين التي يتطلّع شعبها إلى تحصيل حقوقه الطبيعية في مواجهة الاستبداد وفي مواجهة اللحتلال بالتجنيس، التغيير الديموغرافي الذي يُغيّر هوية البحرين ويستبدل شعبها الأصيل بوافدين من كلّ أنحاء العالم، فيما يمضي علماؤها ورموزها وشبابها بين السجون وبين المهاجر.
خامسًا، على المستوى اللبناني.
في الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، لبنان هو المعتدى عليه، إسرائيل الكيان الغاصب ما زالت تحتل جزءًا من أرضنا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وفي الأسابيع الماضية أعادت احتلال شمال الغجر، الجزء اللبناني من بلدة الغجر ومساحات حولها. وفي نفس الوقت ولوقاحتها تتحدّث عن استفزازات المقاومة عند الحدود، هي التي تستفز وهي التي تخترق الحدود والأجواء، هي التي تحتل أرضًا من جديد وتُواصل احتلال أرضٍ من الماضي وتتحدّث عن استفزاز. يقولون في وسائل الاعلام أنّ يوم غد سيلتقي رئيس حكومة العدو مع جنرالاته ليقدّروا الموقف ويدرسوا مسألة التعاطي مع الحدود الجنوبية. أنا أقول لهم من هنا، أقول لهم انتبهوا من أيّ حماقة، وانتبهوا من أيّ خيارات خاطئة، المقاومة في لبنان لن تتهاون ولن تتخلّى عن مسؤولياتها لا في الحماية ولا في الردع ولا في التحرير، ولن تحني رقبتها لهذا الكيان المهزوم المتزلزل، وستكون جاهزة لأيّ خيار ولمواجهة أيّ خطأ أو أيّة حماقة، لن تسكت عنها هذه المقاومة الأبيّة العزيزة الشريفة في لبنان.
… أيّها الإخوة والأخوات أمام كلّ التحديّات القائمة أمنيًا، عسكريًا، مع العدو، جهاديًا، سياسيًا، معيشيًا، اقتصاديًا، ثقافيًا، تربويًا، واجبنا الذي نفهمه من كربلاء أن نكون حاضرين في كلّ الميادين وفي كلّ الساحات مهما كانت التضحيات مهما كانت الآلام، مهما كانت المصاعب وأن لا نُخلي الساحة على الإطلاق، وخصوصًا ونحن نواجه هذا الشيطان الأكبر الذي يستغلّ وجود هذا الكيان الغاصب ليُهيمن على المنطقة وليُحاصر المنطقة، يُحاصرها بقيصر وبالجوع ويفرض عليها الحروب وينهب خيراتها، نفطها، غازها، مياهها. هذه المعركة هي معركة مفتوحة دفاعًا عن لبنان، دفاعًا عن الأمة، دفاعًا عن المقدسات.
نحن قوم هنا في يوم عاشوراء نُجدّد موقفنا وخطابنا وعزمنا أنّنا قوم نُريد أن نُدافع عن شعبنا ليكون آمنًا، عزيزًا، كريمًا، حُرًّا، سيّدًا. نُدافع عن وطننا، عن خيرات وطننا، عن نفطه وغازه ومائه من الاستيلاب والنهب. نحن هنا نرفض الذل ونأبى الضيم ولا نرضى بالخضوع ولا بالهوان ولا بالاستسلام. وعندما يضعنا الشيطان الأكبر أو الصهاينة أو أيّ عدو بين خيارين: بين الحرب وبين الذلة، بين السلّة وبين الذلة، هم يعرفوننا جيدًا، عرفونا على مدى الأزمان وخلال كلّ العقود الماضية، وبالخصوص خلال الـ 40 سنة الماضية، أنّنا أبناء الحسين عليه السلام ليس فقط في يوم عاشوراء نُعبّر كنّا عن هذا الموقف بل في كلّ يوم، في كلّ ميدان، في كلّ معركة، في كلّ مُواجهة، في كلّ ساحة، عند كلّ تحدٍّ، نقول لهم ونقول للعالم كلمة سيدنا وإمامنا وحُسيننا أبي عبد الله عليه السلام: “ألا إنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ونفوس أبيّة وأنوف حميّة من أن نُؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام“.
إنّ مصارع شهدائنا وقادتنا الشهداء وعلمائنا الشهداء، رجالنا الشهداء، نسائنا الشهداء، هي دليل على منطقنا وعلى موقفنا.
كما في كلّ يوم عاشوراء نختم بالتزامنا ووفائنا وعهدنا وقسمنا للحسين سيد الشهداء عليه السلام أنّنا باقون في دربه، نمضي في طريقه، نحمل رايته، نلهج باسمه، تجري في عروقنا دماؤه الزكية، ونحمل أهدافه ونُواجه كلّ طواغيت الأرض ونقول له في كلّ عام هجري يتجدّد “لبيك يا حسين”، وفي انتظار حفيده الذي يحفظ دمه ويأخذ ثاره ويُحقّق أهدافه ويُقيم العدل في الأرض. ودفاعًا عن القرآن الذي استشهد من أجله الحسين عليه السلام سيكون موقفنا الدائم والمُتجدّد ونداؤنا العالي “لبيك يا قرآن، لبيك يا حسين، لبيك يا مهدي“.
بارك الله فيكم، عظّم الله أجركم، تقبّل الله سعيكم، جزاكم الله خير الجزاء وأحسن الجزاء عن نبيكم وأهل بيت نبيّكم وكتاب ربكم ودينكم.
السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليك منّي سلام الله أبدًا ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم. السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين، والسلام على حفيد الحسين المهدي المنتظر الذي ننتظره بأرواحنا ودعائن