ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالاً للأكاديمي والأستاذ الجامعي حسن حيدر يتطرّق فيه الكاتب للحديث حول إسهامات الإمام الخامنئي في تصويب القضيّة الفلسطينيّة واجتناب حرفها عن مسارها مذ كان رئيساً للجمهورية حتّى صار قائداً للثورة الإسلامية ويوضح تطلّعات سماحته لهذه القضية في الجانبين العسكري والسياسي اللذان يمثّلان ركيزتان أساسيّتان لا تنفصل إحداهما عن الأخرى.
الكاتب: حسن حيدر
شكلت القضية الفلسطينية محوراً أساسيا من حياة الجمهورية الاسلامية الإيرانية، وأسست لمرحلة جديدة استكملت نضال الشعب الإيراني الذي ثار على نظام الهيمنة المتجسد حينها بالشاه المخلوع محمد رضا بهلوي.
الإرتباط الشعبي الإيراني بالقضية الفلسطينية يعود إلى أعوام سبقت انتصار الثورة الاسلامية عام 1979، فالغضب الشعبي كان جلياً وواضحاً عندما قام شاه إيران بتقديم النفط للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية إبان حرب 1973 بين الصهاينة ودول عربية حتى خرجت مسيرات شعبية مندّدة باستقبال الفريق الاسرائيلي الذي لعب نهائي بطولة آسيا في ملعب أمجدية جنوب العاصمة طهران.
الدعم الشعبي تجسد في إغلاق السفارة الاسرائيلية فور انتصار الثورة ورفع علم فلسطين فوق مبنى السفارة، استتبع ذلك قيام الإمام الخميني (قده) بالإعلان التاريخي عن يوم القدس العالمي ووضع القضية الفلسطينية وموضوع تحرير فلسطين ودعم قوى المقاومة على سلّم أولويات الدولة الفتيّة .
الإمام السيد علي الخامنئي الذي واكب الثورة منذ ولادتها حتى انتصارها ومن ثم رئيساً وقائداً للبلاد كان الرافد الأساس والداعم الأوّل للقضية الفلسطينية، وأسّس في طهران مؤتمراً لفلسطين وممثليات لفصائل قوى المقاومة وكان تشكيل “قوة القدس ” التطبيق الفعلي لوعود الثورة بدعم ما بات يعرف اليوم بـ “محور المقاومة “.
الحروب العربية – الصهيونية وما تلا ذلك من معاهدات سلام مع مصر والأردن كان عاملاً مشجّعاً للولايات المتحدة الأمريكية لفرض شروط “سلام” مذلّة على الدّول العربية وإجبارها على الركوع أمام العنجهية الصهيونية وكانت الجمهورية الإسلامية هي العائق الأساس أمام تحقيق هذا الحلم الصهيو- أمريكي عبر الدعم الشامل للمقاومة في لبنان وفلسطين ما أفشل كافة المخططات الهادفة لإركاع الأمة وأثمر هذا الصمود تحريراً وانتصاراً في لبنان في عامي 2000 و 2006 إضافة لانتصارات غزة في 2005 و2008 وهزيمة الاحتلال الصهيوني في كافة الميادين التى أدارها بالحرب المباشرة وحتى حروب الوكالة التكفيرية التي أطلقها عام 2011 جميعها باءت بالفشل على امتداد الإقليم من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وصولاً إلى اليمن.
خارطة الانتصارات ما كانت لتحقق لولا سواعد المجاهدين وقياداتهم والدعم العام والشامل الذي أصر عليه سماحة الإمام السيد الخامنئي.
الفشل الأمريكي الصهيوني دفع بالإدارة الأمريكية للتفكير بآليات لضرب ما بات يعرف محور المقاومة وذلك عبر التقرب من دول الارتجاع العربي الخاضعة الخانعة لإرادة سيد البيت الابيض ومحاولة الدفع لضرب النظرية القائلة بحدود فلسطين التاريخية وإيجاد تسويات ومساومات تنهي القضية الفلسطينية وتُبقي الكيان الغاصب جاثماً على صدور الأمة .
هذه المحاولات الأمريكية اليوم كان قد استشرفها الامام الخامنئي قبل 21 عاماً، فقطع الطريق على كافة محاولات تقسيم فلسطين ورفض مبدأ حل الدولتين عندما أعلن عن المبادرة الإيرانية الوحيدة لحل القضية الفلسطينية مع التأكيد الدائم على عبارة “فلسطين كل فلسطين، من البحر إلى النهر”.
الإمام الخامنئي الذي أوضح أن شعار ” إزالة إسرائيل ” من الوجود لن يُحقَّق بحروب الجيوش العربية المطبعة اليوم مع الكيان الصهيوني، أشار إلى أنّ تحرير القدس يتحقق ” بفعل المقاومة ” والمقاومة حصراً وبالتالي سحب البساط من تحت الحكام العرب، واضعاً مصير الأمة بيد شعوبها المقاومة الرافضة لكافة أشكال التطبيع والتقسيم والتهويد . ومن هنا كما أسلفنا فإن إعلان المبادرة الإيرانية لحل للقضية الفلسطينية يأتي بحل سياسي دون إسقاط الخيار العسكري المتمثل بالمقاومة الصادقة وبالتالي اعتمدت المبادرة بشقها السياسي على أربع نقاط تجسد عمق الحقوق الفلسطينية وتجسد آلية عمل واضحة لإزالة الكيان الغاصب وفق القوانين والموازين الدولية.
اعتمدت المبادرة على النقاط التالية :
1 – عودة كافة اللاجئين الفلسطينين في الشتات إلى أرض أجدادهم وآبائهم.
2 – إجراء انتخابات بمشاركة السكان الأصليين (بدون المهاجرين ) للأراضي الفلسطينية من مسلمين ومسيحيين ويهود لانتخاب ممثلين عنهم.
3 – اختيار نظام الحكم على أساس الاستفتاء الشعبي العام للسكان الأصليين.
4 – أن يحكم من يتم انتخابه كامل الأراضي الفلسطينية.
هذه المبادرة وُثّقت وأُرسلت إلى الأمم المتحدة وسُجّلت كوثيقة رسمية تحت عنوان “الحل بالاستفتاء العام” وبالتالي حفظت هذه المبادرة حق العودة للاجئين ومنعت من هم من غير السكان الأصليين التحكم بالاراضي الفلسطينية وإنشاء نظام سياسي يعتمد على حاكمية الشعب لإدراة الاراضي الفلسطينية لكل فلسطين “من البحر إلى النهر”. هذا الخيار السياسي هو هدف رئيسي رفعه الإمام السيد علي الخامنئي دون أن يزيل خيار المقاومة عن طاولة الحل بل قدم سماحته هذا الخيار على كافة الخيارات الأخرى لان تجارب المقاومة أثبتت أن العدو الصهيوني لا يفهم لغة القوة وأن سيّده الأمريكي يمتهن الألاعيب السياسية والمخادعة وكان آخرها إعلان صفقة القرن ويهودية القدس. هذه المبادرة الإيرانية استتبعت بدعوة من الإمام الخامنئي لتسليح الضفة الغربية بعد الانسحاب الصهيوني من غزة عام 2005 وكان خيار المقاومة هو المتقدم على كافة الخيارات، فقائد الثورة قدّم حلا متشعّباً من سياسي وعسكري وعمل على الدفع باتجاه الضغط لتحقيق هذين الهدفين معاً وليس الاعتماد على واحد دون الآخر .
المنحى الجديد والوعد بزوال الكيان الصهيوني خلال الـ 25 سنة المقبلة واقتران هذا الموضوع بشرط “المقاومة” عزّزه قائد الثورة الإسلامية بضخ دم جديد في عروق محور المقاومة الذي فقد أحد أهم أركانه بداية العام 2020 فكانت شهادة الفريق القائد الحاج قاسم سليماني ورفاقه بارقة أمل جديدة نحو التحرير، حيث دعا الإمام الخامنئي إلى تحويل قوة القدس إلى “قوة بلاحدود” وبالتالي رفع مستوى التحدي بوجه الغطرسة الأمريكية في المنطقة والدعوة لرحيل القوة العسكرية الأمريكية الفاعلة والمؤثرة في الإقليم .
المخاوف الأمريكية الحالية من الردود الإيرانية ما بعد ضربة “عين الأسد” والتحديات الكبرى التي فرضتها قوى المقاومة بدحر النفوذ العسكري من المنطقة، أجبرت الكيان الصهوني ليعيش مخاوف السقوط الحتمي، ودفعه إلى التوجه والارتماء في أحضان دول الارتجاع العربي ظنّاً منه أنّ التلطّي خلف الاختلافات المذهبية والعرقية المصطنعة قد يساعده في الوقوف من جديد أمام “المارد” الجديد المتجسد “بالمقاومة” الشعبية في المنطقة والتي يحمل رايتها بلا منازع قائد الثورة الاسلامية في إيران وتسانده قوى المقاومة والممانعة في العراق وسوريا وفلسطين واليمن.
لطالما كانت وما زالت فلسطين في وجدان الإمام الخامنئي بعيداً عن أيّ بعد قومي أو مذهبي، فهو يرى وعد الله بتحرير القدس قريباً ويعمل على أساس تحقيق هذا الهدف قولاً وفعلاً.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir