Search
Close this search box.

الخِلاف أمر لا يريده الله ولا يقبله

الخِلاف أمر لا يريده الله ولا يقبله

إذا کان الاختلاف قد شاءته حكمة الله في الخلق، فإن الخِلاف أمر لا يريده الله ولا يقبله، لأن الخلاف يقتضي النزاع، والخصومة، والافتراق، والاعتداء، والظلم، والقتال

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَيْسَ مَعَ الْخِلافِ ائْتِلافٌ”.
الاختلاف بين البشر أمر طبيعي بل ضروري لحياة النوع الإنساني، بل لكل الكائنات، لأنه يُغني الحياة ويُثريها، وهو واحد من أهم عوامل تقدمها وتطوِّرها، فلولاه لافتقرت الحياة وكانت رتيبة مُمِلَّة لا حيوية فيها ولا نُمُوَّ، لا يمتاز فيها إنسان عن إنسان، ولا شيء عن شيء، ولذلك شاءت حكمة الله تعالى في الخلق أن يكونوا مختلفين.

وقال سبحانه: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿118﴾ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ…” ﴿119/ هود﴾ فلو شاء الله لخلق الناس كلهم على نَسَق واحد، وباستعداد واحد نُسَخاً مكرورة لا تفاوت بينها ولا تنويع فيها لَفَعَل، إذ لا يُعجِزُه شيء، ولكنه سبحانه شاء الله أن تتنوَّع استعدادات هذا المخلوقات واتجاهاتها.

وأكثر ما شاءه في الإنسان الذي اختاره لمقام الخلافة في الأرض، فنوَّع استعداداته بين أفراده، ونوَّع قابلياتهم، واتجاهاتهم، ووهبهم القدرة على حرية الاتجاه، وأن يختار كل منهم طريقه بإرادته، ويتحمَّل تبعات اختياره، ويُجازى على اختياره للهدى والضلال، هكذا اقتضت سنة الله وجرت مشيئته.

لقد شاء الله تعالى ألا يكون الناس أمة واحدة، فكان من مقتضى هذا أن يكونوا مختلفين، وأن يبلغ هذا الاختلاف أن يكون في أصول العقيدة- إلا الذين أدركتهم رحمة الله- الذين اهتدوا إلى الحق- والحق لا يتعدد- فاتفقوا عليه، و هذا لا ينفي أنهم مختلفون مع أهل الضلال.
وكما سبق وقلت: إن مشيئة الله أن يخلق الناس مختلفين لم يكن عبثاً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإنما يهدف الاختلاف إلى تعارف الناس وتعاونهم وتواصلهم ولا يهدف إلى التناحر والخصام، بل التعارف والوئام، وما اختلاف ألسنتهم وألوانهم، واختلاف طبائعهم وأخلاقهم، واختلاف مواهبهم واستعداداتهم إلا ليحتاج بعضهم إلى بعضهم الآخر، فهذا تنوَّع لا يقتضي النزاع والشقاق، بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف والوفاء بجميع الحاجات التي لا يقدر عليها الواحد منهم بمفرده.
وقال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿13/ الحُجُرات﴾.
وعليه: فإذا كان الاختلاف قد شاءته حكمة الله في الخلق، فإن الخِلاف أمر لا يريده الله ولا يقبله، لأن الخلاف يقتضي النزاع، والخصومة، والافتراق، والاعتداء، والظلم، والقتال، وبهذا نفهم ما جاء في جوهرة الإمام أمير المؤمنين (ع): “لَيْسَ مَعَ الْخِلافِ ائْتِلافٌ” فالتوافق والانسجام لا يمكن أن يتحققا في ظل وجود الخلافات والنزاعات.
فالخلاف يعني التباين في الآراء والمواقف ويؤدي إلى النزاع والصِّراع، بينما الائتلاف لا يعني أن تنعدم خصوصيات الأفراد فيذوبون في بعضهم كما يذوب الملح في الماء، بل يعني أن يتوافقوا فيما بينهم وينسجموا في مواقفهم، ويتعاونوا على أمورهم انطلاقا من خصوصية كل فرد منهم.
إن قوله (ع): “لَيْسَ مَعَ الْخِلافِ ائْتِلافٌ” والنفي هنا يشير إلى استحالة الجمع بين الخلاف والائتلاف في نفس الوقت.
ومِمّا لا شَكَّ فيه أن الخلافات في السياقات الزوجية والأسرية والاجتماعية والوطنية غالباً ما تؤدي إلى تدهور العلاقات بين الأفراد والجماعات، وصولاً إلا تفَكُّكها، كذلك الأمر في بيئة العمل فإن كثرة الخلاف بين الرؤساء والمرؤوسين، وبين الزملاء والعاملين تؤدي إلى ضعف الإنتاجية وبطء النَّمُوِّ والفشل في تحقيق الأهداف المرجوَّة.
أما من الناحية النفسية فمِمّا لا ريب فيه أن الخِلافات تؤثِّر تأثيراً بالغاً على الصِّحَّة النفسة للأفراد، وتتسبَّب لهم بالتَّوتُّر والقَلَق الدائمَين، وتجعل حياة الأطراف جميعاً شديدة البؤس، بينما يعزِّز التوافق والائتلاف والانسجام الشعور بالراحة النفسية والانسجام، ولهذا يعتبر التوافق والانسجام والأُخُوَّة والاعتصام بحبل الله من القيم الأساسية في الدين، وهو يدعو المؤمنين إلى الحوار فيما بينهم، والتفاهم المتبادل، وتعزيز التوافق، والتسامح، درئاً للخلاف وما ينتج عنه من سلبيات وما يجلبه من مخاطر.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل