Search
Close this search box.

القرآن يؤكد على الأخُوَّة الإيمانية

القرآن يؤكد على الأخُوَّة الإيمانية

قد أكَّد القرآن الكريم على الأخُوَّة الإيمانية فاعتبر الإيمان بمثابة الرحم يجمع بين بنيه، كما يتولَّد الأخوة النسبيون من رحم واحد، وعلى ذلك الروايات الشريفة الواصلة إلينا عن النبي(ص) والأئمة(ع) فقد جاء فيها التأكيد الكثير على الأخُوَّة بين المؤمنين.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنِ احْتَجْتَ إِلى مُداراتِهِ”.
تُعتبر العلاقات الإنسانية من أهم الجوانب التي تؤثر على حياة الإنسان، فهي حاجة ضرورية له، لذلك قلَّ أن تجد إنساناً يعيش في عزلة عن الناس، فلا هو قادر على ذلك لحاجته النفسية والعاطفية إلى بناء علاقات مع الآخرين والتواصل معهم وبناء حياة مشتركة بينه وبينهم، ولا هو قادر على توفير كل ما يحتاج إليه من حاجات مادية ومعنوية بمفرده، ولهذا اقتضت حكمة الله تعالى في الخلق أن يجعل الإنسان كائناً إجتماعياً، يجتمع ويأتلِف مع الآخرين، وقد جاء في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: “المُؤمِنُ يألَفُ ويُؤلَفُ، ولا خيرَ فيمَنْ لا يألَفُ ولا يُؤلَفُ، وخيرُ النَّاسِ أنفَعُهم للنَّاسِ”.

ومن بين هذه العلاقات، تأتي علاقة الأُخُوَّة التي تتخطَّى أخوَّة الدَّم والنَّسَب إلى الأخوة الإيمانية والأخوة الإنسانية، وقد استُعْمِلَت كلمة الأخ والأخت في القرآن الكريم في المعاني التالية: العلاقة النَّسَبِيَّة، والعلاقة الرَّضاعية، والعلاقة الإيمانية، وعلاقة المودَّة والمَحَبَّة، واستُعمِلَت في العلاقة القَبَلِيَّة، وعلاقة المصاحَبَة، وعلاقة المُشابهة، وعلاقة المُتابَعة، وعلاقة التواؤم والتوافق.

وقد أكَّد القرآن الكريم على الأخُوَّة الإيمانية فاعتبر الإيمان بمثابة الرحم يجمع بين بنيه، كما يتولَّد الأخوة النسبيون من رحم واحد، وعلى ذلك الروايات الشريفة الواصلة إلينا عن رسول الله والأئمة الطاهرين عليه وعليهم آلاف التحيَّة والسلام، فقد جاء فيها التأكيد الكثير على الأخُوَّة بين المؤمنين، تعميقاً لأواصر المحبة والمودة والتعاون والتعاضد فيما بينهم، ولم يكتفِ الإسلام بذلك وحسب، بل فشرَّع مجموعة من الحُقوق للأخ على أخيه، وقد جاء ذكرها جميعاً في الروايات الشريفة لا تتسع هذه المقالة لذكرها.
ومعلوم لقارئ التاريخ الإسلامي أن  رسول اللّه (ص) بادر للمؤاخاة بين أصحابه وأنصاره مرّتَين، مرّة في مكّة قبل الهجرة، والثانية في المدينة بعد الهجرة، حيث اتّخذ من المؤاخاة وسيلة لترسيخ الانسجام بين أتباعه .
لقد بادر رسول اللّه (ص) إلى المؤاخاة بين المؤمنين قائلاً لهم: “تَآخَوا فِي اللّهِ أخوَينِ أخوَينِ” مستلهماً الوحي الإلهي، فآخى بين المهاجرين والأنصار، ووظّف معطيات هذا المبدأ الربّاني في نَسج الوحدة السياسية والمعنوية في المجتمع الجديد، فتغلّب على معضلة الاختلافات الداخلية عن هذا السبيل، بل ذهب التشريع الإسلامي آنذاك إلى تشريع التوارث بين الأخوة في الإيمان، بحيث كان المؤمن يرث أخاه المؤمن.
إن الأخوَّة الإيمانية هي من أقوى العلاقات الإنسانية وأثراها، ولها من الآثار على الفرد والمجتمع ما تحتاج إلى مقالة طويلة لذكرها، وهي أخوَّة تُبنى على الإيمان، أي أُخُوَّة للهِ وفي الله وباللهِ، كما تُبنى على الثقة المُتَبادلة والمَحبة الصَّادقة، هذه الثِّقة هي ما يميز الأخوة الحقيقية عن العلاقات الأخرى.
في هذا السياق، تأتي جوهرة الإمام أمير المؤمنين (ع) “لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنِ احْتَجْتَ إِلى مُداراتِه” لتُسلط الضوء على مفهوم الأخوة الحقيقية، فالمُداراة تعني المُخالَقة والمُلاينة في التعامل مع الآخرين بهدف تجنُّب الأذى المحتمل منهم، بمعنى آخر هي التعامل مع الآخرين بطريقة تُرضيهم وتجنِّبك أذاهم.
والأخُوَّة الحقيقية هي تلك العلاقة التي لا تحتاج فيها إلى مُداراة الطرف الآخر لتجنب أذاه، الأخ الحقيقي هو من تأمَن شرَّه وأذاه بغض النظر عن كيفية تعاملك معه، بل حتى لو جَفَوته في المعاملة، فهو لا يحرمك من حقك ولا يسلبك إياه حتى لو أسأت إليه.
في حياتنا اليومية، نواجه العديد من الأشخاص الذين قد نحتاج إلى مداراتهم لتجنُّب أذاهم، هؤلاء الأشخاص لا يمكن اعتبارهم إخوة حقيقيين، بل هم مجرد معارف أو زملاء في العمل.
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل