البلاء والصبر في المدرسة الحسينية

البلاء والصبر في المدرسة الحسينية

يقع البلاء بتأثير مختلف الأسباب المؤثرة، وذلك وفقاً لقانون الأسباب والنتائج الذي يحكم هذا الوجود، فالسبب المباشر هو ما يقتضيه طبع كل شيء، وإنما نسب إلى الله تعالى لا من حيث إنه المباشر، فحاشاه أن يتعمد ايقاع الشرور والأذى بعباده، وهو الرؤوف الرحيم، بل من حيث إنه العلة الأولى، كمثل قوله تعالى على لسان النبي إبراهيم (عليه السلام): ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾([1]).

أما ما صرح بتقصد ايقاعه من الله تعالى، عقوبة أو امتحاناً، فما كنا لنعلم به لولا أن الله تعالى أخبرنا به، إذ كنا قد جرينا على ما هو الظاهر من خضوعه لأسبابه كغيره من الأحداث، وذلك مثل: مرض النبي أيوب (عليه السلام)، ومثل: خرق العبد الصالح للسفينة وقتله للغلام خلال رحلته مع النبي موسى (عليه السلام)، ومثل: عقاب الأمم السابقة.

زيادة البلاء بزيادة الإيمان: 
فإن ما ورد من أن أشد الناس بلاءً الأمثل فالأمثل من الناس، لا يراد به أن الله تعالى يتقصد ايقاعه بالعبد الذي يحبه أكثر، بل يراد به أن الأشد إيماناً سيكون دائماً في مواجهة مع قوى الشر، وكلما عظمت مواجهته لهم كلما استهدفوه أكثر، وذلك في نفسه وماله وكرامته، بل هو سيكون عرضة للفقر والمرض أكثر لشدة معاناته وعجز جسده عن تحمل عناء المواجهة.

ضرورة تصحيح الفهم الخاطئ: 
إن المرتكز في أذهان الناس هو أن الله تعالى يتقصد ايقاع الأذى والشر بالناس، فترانا نضطر لبيان معنى القضاء والقدر تارة، ولبيان معنى العدل الإلهي تارة أخرى، ولفلسفة هذا الابتلاء وفوائده لنقنع أنفسنا بأنه شر يتضمن خيراً… تارة ثالثة، في حين أن الأمر كما بيناه، وأن حضور الله في ذلك هو كحضوره في كل شيء، وذلك من خلال ما أودعه من قوانين في طبائع الأشياء وكينونتها ضمن الرؤية الإسلامية المتمثلة في التوحيد الأفعالي والتوحيد في الربوبية.

صبر الإمام الحسين (عليه السلام) على الأذى في جنب الله: 
لقد جسد الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال صبره وتضحياته التي فاقت حدود العقل البشري انموذجاً راقياً في التسليم لقضاء الله والرضا به فقدم الأهل والمال والولد والنفس في سبيله وهو في كل ذلك حريص على أن يبلغ مراده من تحقيق رضا لله تعالى فكان موقف يوم العاشر وهو يحمل رضيعه والدم يشخب من عنقه الشريف: “ارضيت يا رب، خذ حتى ترضى”

وكان موقفه وهو يجمع يقاسي الم الجراحات في ذلك اليوم: “رضاً بقضائك وصبراً على بلائك يا غياث المستغيثين” 

وكان موقفه وهو يرى أصحابه وأهل بيته يسقطون صرعى الواحد تلو الآخر:
 إلهي تركت الخلق طراً في هواك     وايتمت العيال لكـي اراك
فلو قطعتني في الحب اربا            لما مال الفؤاد الى سواك

المقاومة الإسلامية مدرسة الصبر:
قدمت المقاومة الاسلامية في عصرنا هذا بمجاهديها وجرحاها وشهدائها وعوائلهم الأنموذج الراقي في الصبر على البلاء وتحمل الاذى في جنب الله فذكرت الامة جمعاء بمواقف أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه  وآله)، وأصحابه المنتجبين في الصدر الاول من الإسلام وبمواقف الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه في يوم العاشر، فلم تكن البيوت المهدمة والأطفال المذبوحة والأشلاء المقطعة ومعاناة التهجير والحرمان إلا سطراً صغيراً في سجل الوفاء الكربلائي والشعار ابداً: “يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً”.

* من كتاب: صدى عاشوراء – معهد سيد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسيني، بتصرف يسير


([1]) القرآن الكريم،الشعراء،79 ـ 80.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل