السؤال: في بعض الروايات أنّ الإمام الحجّة عليه السلام عند ظهوره «يقوم بدين جديد». فكيف يُتصوَّر أن يأتي بدين غير دين النبيّ صلّى الله عليه وآله؟

الجواب: إنّ حلّ هذه الشبهة والجمع بين مجموع الروايات الواردة في الباب، يتوقّف على الالتفات إلى اختلاف الظرف التاريخي والعقلي للأمم.

فالنبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، وكذلك الأئمّة السابقون عليهم السلام، كانوا ـ بنصّ الحديث الشريف ـ مكلَّفين بأن يحدّثوا الناس على قدر عقولهم، كما ورد:

«إِنّا مَعاشِرَ الأنبِياءِ أُمِرنا أن نُكلِّمَ النّاسَ على قَدْرِ عُقولِهِم».

وعلى هذا الأساس، كانت الأحكام الإلهية تُبيَّن وتُنفَّذ بما ينسجم مع سعة إدراك المجتمع وقدرته على التحمّل.
وفي عصر الغيبة الكبرى، أُنيط بالفقهاء أن يستنبطوا الأحكام الشرعية من ظواهر الكتاب والسنّة، وأن يديروا شؤون المجتمع الديني ضمن هذا الإطار.

خصوصية عصر الظهور

أمّا في زمن الظهور المبارك، فتؤكّد الروايات أنّ العقل الإنساني يبلغ مرحلة الكمال، وتتهيّأ النفوس البشرية لفهم الحقائق على مستواها الفطري العميق.
وفي هذا السياق، يحكم الإمام المهدي عليه السلام بحقيقة الأحكام وملاكها الواقعي، لا بمعنى الخروج عن شريعة النبيّ، بل بمعنى إزالة الأعراف السطحية والتطبيقات المشوّهة التي راكمتها عصور الغيبة، والتي لا تنسجم مع العدل الإلهي الخالص.

ومن هنا، فإنّ التعابير الواردة في الروايات من قبيل: «دين جديد»، «أمر جديد» و«يحكم بعلمه» لا تعني إنشاء شريعة جديدة أو نسخ الدين الإسلامي، بل تشير إلى تحقّق الدين الإلهي الفطري في أتمّ مراتب ظهوره.

الدين الفطري والعدل المطلق

تشير بعض الروايات إلى أنّ الأنبياء السابقين لم يُؤذن لهم بنشر جميع معارف الفطرة، لعدم استعداد الناس لتحمّلها، أمّا في دولة الإمام المهدي عليه السلام، فإنّ اكتمال العقول يفتح المجال لتطبيق العدل المطلق وإظهار الدين الفطري في صورته الكاملة.

وهو عين ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

فالدين القويم واحد لا يتعدّد، لكنّ مراتبه في الظهور والتطبيق تختلف باختلاف قابلية الإنسان واستعداد المجتمع.

النتيجة

يتّضح ممّا تقدّم أنّ دين الإمام المهدي عليه السلام هو نفس دين النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، دون أي زيادة أو نقصان.
غير أنّ الفرق الجوهري يكمن في أنّ هذا الدين، في عصر الظهور، يُطبَّق على مستوى الفطرة والباطن، لا على مستوى الظاهر وحده، وذلك لأنّ البشرية تكون قد بلغت من النضج العقلي والعلمي ما يمكّنها من تحمّل هذه المرتبة العليا من العدل الإلهي.

المصدر: مستفاد من الفصل السابع عشر من كتاب (ظهور نور) ص 342.

للمشاركة:

روابط ذات صلة

ينسب إلى الأمام علي عليه السلام أنه قال( كُميل ليس من ماءٍ أصفى مِن دموع التائبين.. و ليس من منظرٍ أشهى من إِنحناء الساجدين) فهل يثبت عنه؟
السؤال/ السلام عليكم هناك مقولة تقول " لن تدخل بعملك بل بعفو الله والله يقول " وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين "ويقول " فإن الله لا يضيع أجر المحسنين "ويقول " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره" فلو كان المؤمن واقف على الحدود ، ويعمل الصالحات الا يدخل الجنة بعمله يعني كيف لنا ان نتصور ان الانسان لا يدخل الجنة بعمله بل بعفوه وكرمه؟ هل المقصود ان الله وفقه للخير والعمل الصالح ، فلو تركه ونفسه لما وفق ، هل من هذه الجهة ، او هناك تخريج آخر ؟
السؤال: السلام عليكم.. أريد علاجًا لقسوة قلبي، أصبح كالجلمود لا يشعر بالمعاصي والذّنوب، فأنا لا أبكي على مصائب أهل البيت ولا أبكي خشيةً من الله، أخشى أن أهلك بعد قسوة القلب هذه.. أريد حلّا..
السؤال : ارجو التفصيل في سند هذا الحديث أبو علي الأشعري، عن عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي الوشاء قال:
سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: إن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته وإن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة ؟
السؤال: لماذا يُعَدّ دينُ الإسلام الدّينَ الأكمل؟ وهل كانت الأديان السّابقة ناقصة؟

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل