أفادت وكالة «حوزة» للأنباء أن آية الله محمود رجبـي، عضو المجلس الأعلى للحوزات العلمية وعضو مجلس خبراء القيادة، تناول في درسه الأخلاقي الأسبوعي نقدَ التيارات الفكرية المعاصرة التي تزعم تحقيق سعادة الإنسان عبر الحريات المطلقة وغير المنضبطة.
وأشار إلى المقاربات التساهلية المتطرفة تجاه الأديان، قائلاً: إن بعضهم يروّج لفكرة أن لكل إنسان أن يعتنق ما يشاء من الأديان، ولا ينبغي إبداء أي حساسية في هذا الشأن. ويُسوَّق هذا الفكر تحت عنوان «حرية الفكر» في الليبرالية. ونتيجة هذا المنطق أنه حتى لو أقدم شخص على الإساءة إلى المعتقدات الدينية، فلا ينبغي – بزعمهم – التعرض له، بذريعة حرية الفكر.
وأضاف عضو هيئة مدرسي الحوزة العلمية في قم، في إشارة إلى الأهداف الحقيقية لما يسمى بحركة الحرية الغربية: لقد شهدنا في السنوات الأخيرة، مع الأسف، قيام بعض الدول بحرق القرآن الكريم، ويُبرَّر هذا الفعل تحت شعار حرية الفكر. وفي الولايات المتحدة أيضاً يُسمح للناس – ما داموا لا يُلحِقون أذى مباشراً بالآخرين – بأن يفعلوا ما يشاؤون، غير أن هذا الشعار ليس سوى غطاء لهدف آخر، هو: القضاء على القيم الإنسانية، كالدفاع عن المظلوم وإقامة العدل.
وتابع رئيس مؤسسة الإمام الخميني (قدس سره) التعليمية والبحثية قائلاً: إذا سلّمنا بعدم وجود حقيقة مطلقة، وأن لكل إنسان أن يعرّف الحق كما يحلو له، فإن مفاهيم من قبيل العدالة، والدفاع عن المظلوم، وإدانة الجرائم – كجرائم الكيان الصهيوني – ستغدو بلا معنى؛ إذ إن الصهاينة أيضاً، من وجهة نظرهم، يرون أنفسهم محقّين في القتل استناداً إلى تعاليم دينهم. فهل يقبل العقل بذلك؟
وبيّن أثر هذا التيار في بعض من لا يدركون عمق المسألة، فقال: على سبيل المثال، في قضية الحجاب – مع أن حكمه في الإسلام وفي قانون البلاد صريح وواضح – يزعم بعضهم، تحت عنوان «تعدّد القراءات»، أن الإسلام لا يملك رأياً واحداً في مسألة الحجاب، وأن لكل شخص أن يقدّم فهمه الخاص. بل إن شخصاً مثل شيرين عبادي، وهي غير متخصصة في الأحكام الإسلامية، صرّحت بأن الحجاب غير واجب في الإسلام!
وأضاف آية الله رجبـي: هذا المنطق نفسه هو الذي مهّد لظهور فرق منحرفة مثل «التشيّع الإنجليزي»، وهو الذي يبرر اللامبالاة تجاه الظلم؛ فالبعض يقول: إذا وقع ظلم في مكان ما، فلا علاقة لنا به. وهذا عين الفكر الذي تروّجه أمريكا والصهاينة.
وتطرّق أستاذ الحوزة العلمية في قم إلى صناعة المصطلحات من قبل الأعداء، قائلاً: إن تعبير «الحجاب الإجباري» بحدّ ذاته جزء من هذه المؤامرة. ففي نظام الجمهورية الإسلامية، الحجاب قانون إسلامي، أي إنه قائم على أساس العقل والشرع معاً. فإذا جاز لكل فرد، بحجة الحرية الشخصية، أن يرفض أي قانون لا يروق له، فأي قانون سيبقى؟ بهذا المنطق نفسه جرى تطبيع المثلية الجنسية في الغرب، لأنهم أزالوا الحساسية تجاه القيم الأخلاقية.
وأكد على وجود معايير يقينية للتمييز بين الحق والباطل، قائلاً: لدينا معارف يقينية حضورية لا يتطرق إليها الخطأ، ولدينا كذلك معارف عقلية وتجريبية يمكن من خلالها اختبار صحة الادعاءات وبطلانها، وبهذا يمكن إسقاط دعاوى الغرب حول الحرية المطلقة التي لا تنسجم مع أي من القوانين العقلية المنبثقة من الفطرة.
العدو يسعى إلى القضاء على الحساسيّات الدينية
وأوضح هذا العالم الديني هدف الغرب من الترويج للحريات غير المحدودة قائلاً: إن هدف الاستكبار العالمي من الحرية المطلقة هو إزالة الحساسيّات. فإذا زالت الحساسيّات، وأصبح أفراد المجتمع غير مبالين بالأخلاق والقيم، وقال كل واحد منهم: «لا، أنا لا أقبل هذا القانون ولن أطبّقه»، فإن المجتمع سيتجه حتماً نحو الفوضى، ولن يمكن تصور نهاية لذلك. قد يقول بعض الناس اليوم – لجهلهم بالنيات الحقيقية لأعداء البشرية وعلى رأسهم أمريكا – إن الحجاب ما فائدته؟ لكن الأمر لن يقف عند هذا الحد؛ ففي اليوم التالي سيفعل كل إنسان ما يشاء، ولن يكون بوسع أحد منعه.
وختم آية الله رجبـي بتبيان مسؤولية العلماء والأكاديميين في هذه الظروف، قائلاً: إن مسؤوليتنا اليوم جسيمة. فعلى العلماء والمفكرين أن ينهضوا بواجب التبيين والتنوير، وأن يشرحوا المعارف والقيم الإسلامية في مواجهة هذه الموجة. كما تقع على عاتق الأسر مسؤولية إقامة جلسات معرفية للشباب، وتزويد أبنائهم بالكتب الموثوقة، كآثار الإمام الخميني(قدس سره)، وقائد الثورة، وآية الله مصباح اليزدي(قدس سره)، والعلامة الطباطبائي(قدس سره)، والشهيد مطهري، حتى يتحصنوا أمام الشبهات.
*ترجمة مركز الإسلام الأصيل