استمراريّة العائلة
عن الإمام الصادق عليه السلام: “إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ البيت الذي فيه العرس ويبغض البيت الذي فيه الطلاق وما من شيء أبغض من الطلاق”1.
الطلاق هـو هـدم لبـناء أحبّه الله تعالـى وحثّ الناس عليه ألا وهــو الـزواج، فالزواج رغم كونه أمراً محبوباً عند الله تعالى وسبباً من أسباب كمال الدين وحصناً يقف في وجه المعاصي، إلّا أنّ الله تعالى لم يُرد إجبار الناس على التزام هذا البيت ولا التحصّن بهذا السور، فإنّ الإلزام قد يكون له الكثير من الآثار السلبيّة التي تجعل الإنسان يتردد كثيراً قبل الدخول إلى قفص الزواج الذي لن يستطيع الخروج منه بعد ذلك، بالإضافة إلى كون الإلزام يُجافي الواقع ويتعالى عن المشاكل الحقيقيّة التي يمكن أن يقع بها بعض الأزواج بشكل لا يُبقي أمامهم حلّاً إلّا الانفصال، ولعلّ هذه الأمور وغيرها من الأمور التي يعلمها الله تعالـى جعلت الطلاق غير محرّم شرعاً، وتركت الباب مشرعاً أمام هذا الخيار، ولكن في الوقت نفسه وجّه تعالى الإنسان نحو الابتعاد عن الطلاق وعدم الأخذ بهذا الخيار ما أمكن.
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلّا من فاحشة مبيّنة”2. وقد أكّد تعالى على كراهيّة هذا الأمر حتّى جعله أبغض الأشياء كما في الرواية السابقة عن الإمام الصادق عليه السلام، بل نجد بعض الروايات لا تتوقّف عند مبغوضيّة الطلاق بل تتعدّى ذلك إلى مبغوضيّة من يقوم به ويختاره. فعن الإمام الصادق عليه السلام: “ما من شيء ممّا أحلّه الله أبغض إليه من الطلاق وإنّ الله يُبغض المطلاق الذوّاق”3.
فخيار الطلاق رغم عدم تحريمه شرعاً إلّا أنّه ينبغي الوقوف عنده كثيراً والابتعاد عنه ما أمكن، بل عدم أخطاره في الذهن حتّى لا يُصبح الحلّ الأسهل للتهرّب من أيّ مشكلة يمكن أن يقع بها الزوجان.
من أسباب الطلاق
1- عدم الالتزام بالشرع المقدس
لقد وضع الله تعالى القوانين لتنظيم العلاقة الزوجيّة وجعلها على أفضل وجه بشكل يؤمّن الحياة الزوجيّة السعيدة والموفّقة، وعندما يتخلّى الإنسان عن هذه الحدود الشرعيّة ويتجاوزها فإنّه سيهدّد الحياة الزوجية برمّتها. من هنا كان لا بدّ من التعرّف على الحقوق الزوجيّة وآداب العلاقة مع الزوج حتّى تحصل الحصانة التي تحمي بنيان الأسرة من التصدع، وهذا ما سنفصّله في موضوع اجتناب أسباب الطلاق الآتي.
2- الأخطاء
إنّ سوء التقدير الناشئ عن الجهل بالطرف المقابل وخصوصيّاته وما يحبّ ويكره، أو عدم القدرة على الانسجام رغم المعرفة بالميول والخصوصيّات، قد يتسبّب أيضاً بالتشنّج والوقوع بالأخطاء، فيشكّل خطراً على الحياة الزوجيّة، لذلك فإنّ معرفة الطرف الآخر قد تساعد على تفهّم التصرّفات والمسلكيّة، ما يؤدّي إلى الانسجام.
ما هو علاجها؟
1- مراعاة الحقوق والآداب
هناك حقوق وآداب يحسن ملاحظتها ومراعاتها، وترك هذه الحقوق وعدم ملاحظة الآداب سيجعل الباب مشرعاً أمام سوء التفاهم، وسيجعل بناء العائلة في مواجهة الخطر، فما هي هذه الحقوق والآداب؟
حقوق وآداب في العلاقة مع الزوج
عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “أعظم الناس حقاً على المرأة زوجه…”4.
وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: “لا تؤدّي المرأة حقّ الله عزّ وجلّ حتّى تؤدّي حقّ زوجها”5. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “جهاد المرأة حُسن التبعّل”6.
وتتلخّص الحقوق بما يلي
أوّلاً: الاستجابة لحاجات الزوج
أن تُجيب المرأة زوجها إلى حاجته التي هي عبارة عن طاعته في أمر العلاقة الخاصّة بينهما، فإذا أبت سَخِط الله عليها حتّى تُرضي زوجها. فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقد سألته امرأة عن حقّ الزوج على المرأة فقال: “أن تجيبه إلى حاجته وإن كانت على قتب…”7.
ثانياً: التجمّل والتودّد له
والمقصود من التجمّل الابتعاد عمّا ينفّره، وإظهار الهيئة الحسنة، وفي تحرير الوسيلة عندما يتحدّث الإمام الخميني قدس سره عن نشوز المرأة يذكر من النشوز “عدم إزالة المنفّرات المضادّة للتمتعّ والالتذاذ بها، بل وترك التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لها”8. وورد عن الإمام الصادق عليه السلام: “… لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهنّ: صيانة نفسها عن كلّ دنس حتّى يطمئنّ قلبه بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلّة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه”9.
ثالثاً: المحافظة على ماله
فيجب أن تشعر بالمسؤوليّة تجاه أموال الزوج فعليها أن لا تُسرف من جهة وأن لا تتصرّف بأمواله دون إذنه من جهة أخرى، وهناك العديد من الروايات التي تشير إلى ذلك، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “… ولا تُعطي شيئاً إلّا بإذنه، فإن فعلت فعليها الوزر وله الأجر…”10.
رابعاً: عدم إغضابه وإيذائه
فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “ويل لامرأة أغضبت زوجها وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها”11. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها، ولا حسنة من عملها حتّى تُعينه وتُرضيه وإن صامت الدهر”12. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أحسن نساء أمّتي امرأة سلّمت أمرها لمطالب زوجها حين رأته غضباناً وقالت له: إن لم ترض عني لن يغمضَ لي جفن”13.
خامساً: عدم الخروج من بيته إلّا بإذنه
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: “أيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتّى ترجع”14. وممّا يعّده الإمام الخميني قدس سره من نشوز الزوجة “خروجها من بيته من دون إذنه”15.
2- الحلّ بعد الوقوع في المشكلة
إذا وقعت المشكلة بين الزوجين فعليهما أن يبحثا في البداية عن حلّها داخل البيت دون نقل هذه المشكلة إلى خارج البيت بشكل قد يتسبب بتفاعلها وتعقيدها بشكل أكبر، يقول تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾15. وإذا لم يستطع الزوجان حلّها للوصول إلى التفاهم واستمرار الحياة الزوجيّة بالشكل الصحيح، يأتي هنا دور العوامل الخارجيّة الصالحة المساعدة لحلّ المشاكل العالقة. يقول تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾16.
ولم تحدّد الآية شخصيّة خاصّة كالأب أو العمّ أو غيرهما… ولعلّ ذلك لبقاء الباب مفتوحاً أمام اختيار الأحكم والأصلح القادر على معرفة طبيعة المشكلة ووضع حلّ لها مع قدرته على التأثير على صاحب العلاقة، الزوج إن كان من أهله والزوجة إن كان من أهلها. فالعائلة يريدها الله تعالى عاملاً إيجابيّاً يساعد على إصلاح الحياة الزوجيّة، لا عاملاً سلبيّاً يزيد في تعقيد المشكلة. يقول الإمام الخميني قدس سره: “لو وقع النشوز من الزوجين بحيث خِيف الشقاق والفراق بينهما وانجرّ أمرهما إلى الحاكم بعث حكمين؛ حكماً من جانبه وحكماً من جانبها للاصطلاح ورفع الشقاق بما رأياه من الصلاح من الجمع أو الفراق، ويجب عليهما البحث والاجتهاد في حالهما وفيما هو السبب والعلّة لحصول ذلك بينهما ثم يسعيان في أمرهما، فكلّما استقرّ عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرضا به بشرط كونه سائغاً، كما لو شرطا على الزوج أن يسكن الزوجة في البلد الفلاني أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها أو لا يسكن معها أمّه أو أخته ولو في بيت منفرد، أو لا يسكن معها ضُرّتها في دار واحدة ونحو ذلك، أو شرطا عليها أن تؤجّله بالمهر الحال إلى أجل، أو تردّ عليه ما قبضته قرضاً ونحو ذلك، بخلاف ما إذا كان غير سائغ كما إذا شرط عليه ترك بعض حقوق الضرّة من قسم أو نفقة أو رخصة المرأة في خروجها عن بيته حيث شاءت وأين شاءت ونحو ذلك”17.
الطلاق بيد الزوج
إنّ كون الطلاق بيد الزوج لا يعني تسلّطه واستخدامه بشكل سيّئ، بل هذا الحقّ أمانة في عنقه سيسأله تعالى عنه يوم القيامة. وفي الرواية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: “بلغ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ أبا أيّوب يريد أن يطلّق امرأته فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ طلاق أمّ أيّوب لحَوْب”18 (أي إثم).
إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
على الزوج أن يختار الحفاظ على الحياة الزوجيّة، ولكن ضمن أجواء سليمة وصحيحة فيُمسك زوجته بالمعروف ويعاملها بالحسنى، وأمّا إن وصلت الأمور إلى طريق مسدود وقرّر الطلاق فليكن ذلك بالمعروف أيضاً يقول تعالى: ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾19.
ولا يجوز له إمساكها للإضرار بها، والتعامل معها بقسوة لتتنازل عن مهرها له أو ليكون نوعاً من أنواع التشفّي…
يقول تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ…﴾20.
1- من لا يحضره الفقيه، ج3، ص440.
2- الكافي، ج6، ص54.
3- ميزان الحكمة، ج2، ص1184.
4- مستدرك الوسائل، ج14، ص257.
5- الكافي، ج5، ص9.
6- الكافي، ج5، ص508.
7- تحرير الوسيلة، ج2، ص305.
8- بحار الأنوار، ج75، ص237.
9- م.ن، بحار الأنوار.
10- وسائل الشيعة، ج20، ص312.
11- بحار الأنوار، ج73، ص363.
12- بحار الأنوار، 103.
13- الكافي، ج5، ص514.
14- تحرير الوسيلة، ج2، ص305.
15- النساء: 128.
16- النساء: 35.
17- تحرير الوسيلة، ج2، ص306.
18- الكافي، ج6، ص55.
19- البقرة: 229.
20- البقرة: 231.