في الإمام عـلي /
معاويةُ بن أبي سُفيان
1 – سير أعلام النبلاء عن عبيد : جاء أبو مسلم الخولاني وأُناس إلى معاوية وقالوا : أنت تنازع عليّاً ، أم أنت مثله ؟ فقال : لا والله ، إنّي لأعلم أنّه أفضل منّي وأحقّ بالأمر منّي ( 1 ) .
2 – تاريخ دمشق عن أبي إسحاق : جاء ابن أحور التميمي إلى معاوية فقال : يا أمير المؤمنين ! جئتك من عند ألأم الناس ! وأبخل الناس ! وأعيا الناس ! وأجبن الناس ! فقال [ له معاوية ] : ويلك ! وأنّى أتاه اللؤم ، ولَكُنّا نتحدّث أن لو كان لعليّ بيت من تبن وآخر من تِبْر ( 2 ) لأنفد التبر قبل التبن ؟ ! وأنّى أتاه العيّ وإن كنّا لنتحدّث أنّه ما جرت المواسي على رأس رجل من قريش أفصح من عليّ ؟ ! ويلك ! وأنّى أتاه الجُبن وما برز له رجل قطّ إلاّ صرعه ؟ ! والله يا بن أحور لولا أنّ الحرب خدعة لضربت عنقك ، أُخرج فلا تقيمنّ في بلدي ( 3 ) .
3 – الإمامة والسياسة : ذكروا أنّ عبد الله بن أبي مِحْجَن الثقفي قدم على معاوية ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي أتيتك من عند العييّ ( 4 ) الجبان البخيل ابن أبي طالب .
فقال معاوية : لله أنت ! أتدري ما قلت ؟ أمّا قولك : العييّ ، فوَالله لو أنّ ألسن الناس جمعت فجعلت لساناً واحداً لكفاها لسان عليّ ، وأمّا قولك : إنّه جبان ، فثكلتك أُمّك ، هل رأيت أحداً قطّ بارزه إلاّ قتله ؟ وأمّا قولك : إنّه بخيل ، فوَالله لو كان له بيتان أحدهما من تِبر والآخر من تبن ، لأنفد تبره قبل تبنه .
فقال الثقفي : فعَلامَ تقاتله إذاً ؟
قال : على دم عثمان ، وعلى هذا الخاتم ، الذي من جعله في يده جادت طينته ، وأطعم عياله ، وادّخر لأهله .
فضحك الثقفي ثمّ لحق بعليّ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هب لي يديّ بجرمي ، لا دنيا أصبت ولا آخرة ! فضحك عليّ ، ثمّ قال : أنت منها على رأس أمرك ، وإنّما يأخذ الله العباد بأحد الأمرين ( 5 ) .
4 – فضائل الصحابة عن قيس بن أبي حازم : جاء رجل إلى معاوية فسأله عن مسألة ، فقال : سل عنها عليّ بن أبي طالب فهو أعلم ، فقال : يا أمير المؤمنين ، جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب عليّ ، فقال : بئس ما قلت ولؤم ما جئت به ! ! لقد كرهت رجلاً كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يغرّه العلم غرّاً ، ولقد قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ” أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي ” .
وكان عمر إذا أُشكل عليه شيء يأخذ منه ، ولقد شهدت عمر وقد أُشكل عليه شيء ، فقال : هاهنا عليّ قم لا أقام الله رجليك ( 6 ) .
5 – المناقب لابن شهر آشوب عن ابن أبجر العجلي : كنت عند معاوية فاختصم إليه رجلان في ثوب ، فقال أحدهما : ثوبي ، وأقام البيّنة ، وقال الآخر : ثوبي اشتريته من السوق من رجل لا أعرفه . فقال معاوية : لو كان لها عليّ بن أبي طالب ! فقال ابن أبجر : فقلت له : قد شهدت عليّاً ( عليه السلام ) قضى في مثل هذا ، وذلك أنّه قضى بالثوب للّذي أقام البيّنة ، وقال للآخر : اطلب البايع . فقضى معاوية بذلك بين الرجلين ( 7 ) .
6 – المحاسن والمساوئ : لمّا كان حرب صفّين كتب أمير المؤمنين رضوان الله عليه إلى معاوية بن أبي سفيان : ما لك يُقتل الناس بيننا ؟ ابرز لي ؛ فإن قتلتني استرحت منّي ، وإن قتلتك استرحت منك ، فقال له عمرو بن العاص : أنصفك الرجل فابرز إليه . قال : كلاّ يا عمرو ! أردت أن أبرز له فيقتلني وتثب على الخلافة بعدي ! قد علمت قريش أنّ ابن أبي طالب سيّدها وأسدها ( 8 ) .
7 – تاريخ دمشق عن جابر : كنّا عند معاوية فذكر عليّ ، فأحسن ذكره وذكر أبيه وأُمّه ، ثمّ قال : وكيف لا أقول هذا لهم ؟ هم خيار خلق الله ، وعنده بنيه أخيارٌ أبناءُ أخيار ( 9 ) .
8 – شرح نهج البلاغة – في ذكر ما جرى بين عقيل بن أبي طالب ومعاوية – :
قال معاوية : ذكرت من لا ينكر فضله ، رحم الله أبا حسن ! فلقد سبق من كان قبله ، وأعجز من يأتي بعده ، هلمّ حديث الحديدة، قال: نعم.
أقويت وأصابتني مخمصة ( 10 ) شديدة ، فسألته فلم تَندَ صَفاتُه ( 11 ) ، فجمعت بياني وجئته بهم والبؤس والضرّ ظاهران عليهم ، فقال : ائتني عشيّةً لأدفع إليك شيئاً ، فجئته يقودني أحد ولدي ، فأمره بالتنحّي ، ثمّ قال : ألا فدونك ، فأهويت – حريصاً قد غلبني الجشع أظنّها صرّة – فوضعت يدي على حديدة تلتهب ناراً ، فلمّا قبضتها نبذتها وخُرت كما يخور الثور تحت يد جازره ، فقال لي : ثكلتك أُمّك ! هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا فكيف بك وبي غداً أن سلكنا في سلاسل جهنّم ؟ ثمّ قرأ : ( إِذِ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ) ( 12 ) ثمّ قال : ليس لك عندي فوق حقّك الذي فرضه الله لك إلاّ ما ترى ، فانصرف إلى أهلك .
فجعل معاوية يتعجّب ويقول : هيهات هيهات ! عقمت النساء أن يلدن مثله ( 13 ) .
9 – تاريخ دمشق عن جابر : كنّا ذات يوم عند معاوية بن أبي سفيان ، وقد جلس على سريره واعتجر بتاجه واشتمل بساجه ( 14 ) ، وأومأ بعينيه يميناً وشمالاً ، وقد تفرّشت جماهير قريش وسادات العرب أسفل السرير من قحطان ، ومعه رجلان على سريره : عقيل بن أبي طالب ، والحسن بن عليّ ، وامرأة من وراء الحجاب تشير بكمّيها يميناً وشمالاً ، فقالت : يا أمير المؤمنين فاتت الليلة أرقة.
قال لها معاوية : أمِن ألم ؟ قالت : لا ، ولكن من اختلاف رأي الناس فيك ، وفي عليّ بن أبي طالب ، و ( 15 ) أبوك أبو سفيان صخر بن حرب بن أُميّة ، وكان أُميّة من قريش لبابها ، فقالت في معاوية فأكثرت وهو مقبل على عقيل والحسن ، فقال معاوية : رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : من صلّى أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعد الظهر ، حرم على النار أن تأكله أبداً .
ثمّ قال لها : أفي عليّ تقولين ؟ المطعِم في الكربات ، المفرّج للكربات ، مع ما سبق لعليّ من العناصير السريّة والشيم الرضيّة والشرف ، فكان كالأسد الحاذر ، والربيع النائر ، والفرات الذاخر ، والقمر الزاهر ، فأمّا الأسد فأشبه عليّ منه صرامته ومضاءه ، وأمّا الربيع فأشبه عليّ منه حسنه وبهاءه ، وأمّا الفرات فأشبه عليّ منه طيبه وسخاءه ، فما تغطمطت ( 16 ) عليه قُماقِم ( 17 ) العرب الشادة ( 18 ) ، من أوّل العرب عبد مناف وهاشم وعبّاس القماقم والعبّاس صنو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأبوه وعمّه أكرِم به أباً وعمّاً ، ولنعم ترجمان القرآن ولده – يعني عبد الله بن عبّاس – : كهل الكهول ، له لسان سؤول ، وقلب عقول ، خيار خلق الله وعترة نبيّه ، خيار ابن خيار .
فقال عقيل بن أبي طالب : يا بنت أبي سفيان ، لو أنّ لعليّ بيتين : بيت من تبر ، والآخر تبن بدأ بالتبر – وهو الذهب .
فقال معاوية : يا أبا يزيد ، كيف لا أقول هذا في عليّ بن أبي طالب ، وعليّ من هامات قريش وذوائبها ، وسنام قائم عليها وعليّ علامتها في شامخ ( 19 ) ؟
10 – الاستيعاب : كان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له عليّ بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) عن ذلك ، فلمّا بلغه قتله قال : ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب ، فقال له أخوه عتبة : لا يسمع هذا منك أهل الشام ، فقال له : دعني عنك ( 20 ) .
11 – مقتل أمير المؤمنين عن مغيرة : لمّا جيء معاوية بنعي عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهو قائل ( 21 ) مع امرأته ابنة قرظة في يوم صائف فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ماذا فقدوا من العلم والخير والفضل والفقه ؟
قالت امرأته : بالأمس كنت تطعن في عينيه وتسترجع اليوم عليه ! قال : ويلك ! لا تدرين ماذا فقدوا من علمه وفضله وسوابقه ! ( 22 )
12 – تاريخ دمشق عن مغيرة : جاء نعي عليّ بن أبي طالب إلى معاوية ، وهو نائم مع امرأته فاختة بنت قرظة ، فقعد باكياً مسترجعاً . فقالت له فاختة : أنت بالأمس تطعن عليه واليوم تبكي عليه ؟ ! فقال : ويحك ! أنا أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه ( 23 ) .
عَمْرُو بن العاص
13 – الإمامة والسياسة : ذكروا أنّ رجلا من همذان يقال له : برد ، قدم على معاوية فسمع عمراً يقع في عليّ ، فقال له : يا عمرو ، إنّ أشياخنا سمعوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ” من كنت مولاه فعليّ مولاه ” ، فحقٌّ ذلك أم باطل ؟ فقال عمرو : حقّ ، وأنا أزيدك أنّه ليس أحد من صحابة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) له مناقب مثل مناقب عليّ ( 24 ) .
14 – تاريخ الطبري عن عمرو بن العاص – لمعاوية – : أما والله إنْ ( 25 ) قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة ؛ إنّ في النفس من ذلك ما فيها ، حيث نقاتل من تعلم سابقته ، وفضله وقرابته ، ولكنّا إنّما أردنا هذه الدنيا ( 26 ) .
15 – المناقب للخوارزمي عن عمرو بن العاص – فيما كتبه إلى معاوية قبل التحاقه به – : ويحك يا معاوية ! أما علمت أنّ أبا حسن بذل نفسه بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . . وقد قال فيه يوم غدير خمّ : ” ألا من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ” ( 27 ) .
16 – تاريخ اليعقوبي – في ذكر قدوم عمرو بن العاص على معاوية وبيعته له – :
قدم على معاوية ، فذاكره أمره ، فقال له : أمّا عليّ ، فوَالله لا تساوي العرب بينك وبينه في شيء من الأشياء ، وإنّ له في الحرب لحظّاً ما هو لأحد من قريش إلاّ أن تظلمه . قال : صدقت ، ولكنّا نقاتله على ما في أيدينا ، ونلزمه قتل عثمان ! !
قال : عمرو : وا سوأتاه ! إنّ أحقّ الناس أن لا يذكر عثمان لا أنا ولا أنت . قال :
ولم ويحك ؟ قال : أمّا أنت فخذلته ومعك أهل الشام حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي ، فسار إليه ، وأمّا أنا فتركته عياناً ، وهربت إلى فلسطين .
فقال معاوية : دعني من هذا ! مدّ يدك فبايعني ! قال : لا ، لعمر الله لا أُعطيك ديني حتى آخذ من دنياك . قال له معاوية : لك مصر طُعْمة ( 28 ) .
17 – وقعة صفّين عن عمر بن سعد بإسناده : قال معاوية لعمرو : يا أبا عبد الله ، إنّي أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربّه وقتل الخليفة ، وأظهر الفتنة ، وفرّق الجماعة ، وقطع الرحم ! !
قال عمرو : إلى مَن ؟
قال : إلى جهاد عليّ .
فقال عمرو : والله يا معاوية ، ما أنت وعليّ بِعكْمَي ( 29 ) بعير ، ما لك هجرتُه ولا سابقته ، ولا صحبته ، ولا جهاده ، ولا فقهه وعلمه . والله إنّ له مع ذلك حدّاً وجدّاً ، وحظّاً وحظوة ، وبلاءً من الله حسناً ، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه ، وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر ؟ قال : حكمك . قال : مصر طُعْمة ( 30 ) .
18 – وقعة صفّين عن أبي جعفر وزيد بن حسن : طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوّي صفوف أهل الشام ، فقال له عمرو : على أنّ لي حكمي إن قتل الله ابن أبي طالب ، واستوسقت لك البلاد . قال : أليس حكمك في مصر ؟ قال : وهل مصر تكون عوضاً عن الجنّة ، وقتل ابن أبي طالب ثمناً لعذاب النار الذي ( لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) ( 31 ) ؟ فقال معاوية : إنّ لك حكمك أبا عبد الله إن قُتل ابن أبي طالب . رويداً لا يسمع الناس كلامك ( 32 ) .
19 – وقعة صفّين عن الزهري – في وقائع اليوم الخامس من حرب صفّين – : خرج في ذلك اليوم شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري ، فلحق بعليّ ( عليه السلام ) في ناس من قرّاء أهل الشام ، ففتّ ( 33 ) ذلك في عضد معاوية وعمرو بن العاص ، وقال عمرو :
يا معاوية ، إنّك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلاً له من محمّد ( صلى الله عليه وآله ) قرابة قريبة ، ورحم ماسّة ، وقدم في الإسلام لا يعتدّ أحد بمثله ، ونجدة في الحرب لم تكن لأحد من أصحاب محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، وإنّه قد سار إليك بأصحاب محمّد ( صلى الله عليه وآله ) المعدودين ، وفرسانهم وقرّائهم وأشرافهم وقدمائهم في الإسلام ، ولهم في النفوس مهابة ( 34 ) .
20 – وقعة صفّين عن الجرجاني – في ذكر حرب صفّين تسلّط معاوية على الماء – : فبقي أصحاب عليّ يوماً وليلة – يومَ الفرات – بلا ماء ، وقال رجل من السَّكون من أهل الشام . . . :
فامنع القومَ ماءكم ليس للقو * مِ بقاءٌ وإن يكن فقليلُ
فقال معاوية : الرأي ما تقول ، ولكن عمرو لا يدعني . قال عمرو : خلّ بينهم وبين الماء ؛ فإنّ عليّاً لم يكن ليظمأ وأنت ريّان ، وفي يده أعنّة الخيل وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت ، وأنت تعلم أنّه الشجاع المُطْرِق ( 35 ) ، ومعه أهل العراق وأهل الحجاز ، وقد سمعته أنا وأنت وهو يقول : لو استمكنت من أربعين رجلاً ، فذكر أمراً – يعني لو أنّ معي أربعين رجلاً يوم فُتّش البيت – يعني بيت فاطمة ( عليها السلام ) ( 36 ) .
21 – وقعة صفّين – في ذكر طلب معاوية الشام من عليّ ( عليه السلام ) – : قد رأيت أن أكتب إلى عليّ كتاباً أسأله الشام – وهو الشيء الأوّل الذي ردّني عنه – وأُلقي في نفسه الشكّ والريبة ، فضحك عمرو بن العاص ، ثمّ قال : أين أنت يا معاوية من خدعة عليّ ؟ ! فقال : ألسنا بني عبد مناف ؟ قال : بلى ، ولكنّ لهم النبوّة دونك ، وإنّ شئت أن تكتب فاكتب .
فكتب معاوية إلى عليّ مع رجل من السَّكاسِك ( 37 ) . . . فلمّا انتهى كتاب معاوية إلى عليّ قرأه ، ثمّ قال : العجب لمعاوية وكتابه ، ثمّ دعا عليّ ( عليه السلام ) عبيد الله بن أبي رافع كاتبه فقال : اكتب . . .
فلمّا أتى معاوية كتاب عليّ كتمه عن عمرو بن العاص أيّاماً ، ثمّ دعاه بعد ذلك فأقرأه الكتاب فشمت به عمرو .
ولم يكن أحد من قريش أشدّ تعظيماً لعليٍّ ( عليه السلام ) من عمرو منذ يوم لقيه وصفح عنه .
فقال عمرو بن العاص فيما كان أشار به على معاوية :
ألا لله درّك يا بن هند * ودرّ الآمرين لك الشهودِ
أتطمع – لا أبا لك – في عليٍّ * وقد قُرع الحديد على الحديدِ
وترجو أن تحيّره بشكٍّ * وترجو أن يهابك بالوعيدِ
وقد كشف القناع وجرّ حرباً * يشيب لهولها رأس الوليدِ
له جأواءُ ( 38 ) مظلمة طحونٌ * فوارسها تلهّب كالأُسودِ
يقول لها إذا دَلَفَتْ إليه * وقد ملّت طعان القوم : عودي
فإن وردت فأوّلها وروداً * وإن صدّت فليس بذي صدودِ
وما هي من أبي حسن بُنكْر * وما هي من مسائك بالبعيدِ
وقلت له مقالة مستكين * ضعيف الركن منقطع الوريدِ
دَعَنّ الشام حسبك يا بن هند * من السوءات والرأي الزهيدِ
ولو أعطاكها ما ازددت عزّاً * ولا لك لو أجابك من مزيدِ
ولم تكسر بذاك الرأي عوداً * لركّته ولا ما دون عودِ
فلمّا بلغ معاوية قول عمرو دعاه ، فقال : يا عمرو ، إنّني قد أعلم ما أردتَ بهذا .
قال : ما أردت ؟ قال : أردت تفييل ( 39 ) رأيي وإعظام عليّ ، وقد فضَحَك .
قال : أمّا تفييلي رأيك فقد كان ، وأمّا إعظامي عليّاً فإنّك بإعظامه أشدّ معرفةً منّي ، ولكنّك تطويه وأنا أنشره ، وأمّا فضيحتي فلم يفتضح امرؤ لقي أبا حسن ( 40 ) .
22 – الأمالي للطوسي عن محمّد بن إسحاق الحضرمي : استأذن عمرو بن العاص على معاوية بن أبي سفيان ، فلمّا دخل عليه استضحك معاوية ، فقال له عمرو : ما أضحكك يا أمير المؤمنين ! أدام الله سرورك ؟ قال : ذكرت ابن أبي طالب وقد غشيك بسيفه فاتّقيته وولّيت . فقال : أتشمت بي يا معاوية ؟ !
وأعجب من هذا يوم دعاك إلى البراز فالتمع لونك ، وأطّت أضلاعك ، وانتفخمنخرك ، والله لو بارزته لأوجع قذالك ( 41 ) ، وأيتم عيالك ، وبزّك سلطانك .
وأنشأ عمرو يقول :
معاويَ لا تشمت بفارس بُهمة * لقى فارساً لا تعتليه الفوارسُ
معاويَ لو أبصرت في الحرب مقبلاً * أبا حسن يهوي دهتك الوساوسُ
وأيقنت أنّ الموت حقّ وأنّهُ * لنفسك إن لم تمعن الركض خالسُ
دعاك فصمّت دونه الأُذن أذرعاً * ونفسك قد ضاقت عليها الأمالسُ
أتشمت بي إذ نالني حدُّ رمحهِ * وعضّضني ناب من الحرب ناهسُ
فأيّ امرئً لاقاه لم يلق شلوهُ * بمعترك تسفي عليه الروامسُ
أبى الله إلاّ أنّه ليث غابة * أبو أشبل تُهدى إليه الفرائسُ
فإنّ كنت في شكّ فأرهج ( 42 ) عجاجةً * وإلاّ فتلك الترُّهات ( 43 ) البسابسُ
فقال معاوية : مهلاً يا أبا عبد الله ، ولا كلّ هذا . قال : أنت استدعيته ( 44 ) .
23 – المناقب لابن شهر آشوب : لمّا نعي بقتل أمير المؤمنين دخل عمرو بن العاص على معاوية مبشّراً فقال : إنّ الأسد المفترش ذراعيه بالعراق لاقى شعوبه ، فقال معاوية :
قل للأرانب تربعْ حيث ما سلكتْ * وللظباء بلا خوف ولا حذرِ ( 45 )
24 – نفحات الأزهار : قال أبو محمّد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني اليمني : روي أنّ معاوية بن أبي سفيان قال يوماً لجلسائه : من قال في عليّ على ما فيه فله البَدْرة ( 46 ) ؟ فقال كلّ منهم كلاماً غير موافق مِن شتمِ أمير المؤمنين إلاّ عمرو بن العاص ؛ فإنّه قال أبياتاً اعتقدها وخالفها بفعاله :
بآل محمّد عُرِف الصوابُ * وفي أبياتهم نزل الكتابُ
وهم حُجج الإله على البَرايا * بهم وبجدّهم لا يُسترابُ
ولا سيّما أبي حسن عليٍّ * له في المجد مرتبة تُهابُ
إذا طلبت صوارِمُهم نفوساً * فليس بها سِوى نَعَمٌ جوابُ
طعام حسامه مُهجُ الأعادي * وفيضُ دم الرقاب لها شرابُ
وضرْبته كبيعته بخمٍّ * مَعاقدها من الناس الرقابُ
إذا لم تَبرَ من أعدا عليٍّ * فما لك في محبّته ثوابُ
هو البكّاء في المحراب ليلاً * هو الضحّاك إنْ آن الضرابُ
هو النبأ العظيم وفلك نوح * وباب الله وانقطع الجوابُ
فأعطاه معاوية البَدْرة وحرم الآخرين ( 47 ) ( 48 ) .
مَروانُ بن الحَكَم
25 – وقعة صفّين عن مروان : أما والله لولا ما كان منّي يوم الدار مع عثمان ومشهدي بالبصرة لكان منّي في عليٍّ رأي كان يكفي امرأً ذا حسب ودين ، ولكنّ ولعلّ ! ( 49 )
26 – المناقب لابن شهر آشوب : قال معاوية يوم صفّين : أُريد منكم والله أن تشجروه بالرماح فتريحوا العباد والبلاد منه . قال مروان : والله لقد ثقلنا عليك يا معاوية ، إذ كنت تأمرنا بقتل حيّة الوادي والأسد العادي ، ونهض مغضباً ، فأنشأ الوليد بن عقبة :
يقول لنا معاوية بن حرب * أما فيكم لواتركم طلوبُ
يشدّ على أبي حسن عليّ * بأسمر لا تهجّنه الكعوبُ
فقلت له أتلعب يا بن هند * فإنّك بيننا رجل غريبُ
أتأمرنا بحيّة بطنِ واد * يتاح لنا به أسد مهيبُ
كأنّ الخلق لمّا عاينوهُ * خلال النقع ليس لهم قلوبُ
فقال عمرو : والله ما يُعيّر أحد بفراره من عليّ بن أبي طالب ( 50 ) .
27 – شرح نهج البلاغة عن ابن أبي سيف : خطب مروان والحسن ( عليه السلام ) جالس فنال من عليّ ، فقال الحسن ( عليه السلام ) : ويلك يا مروان ! ! أهذا الذي تشتم شرّ الناس ؟
قال : لا ، ولكنّه خير الناس ( 51 ) .
عَبدُ الرَّحمنِ بن خالِدِ بنِ الوليد
28 – وقعة صفّين عن الشعبي : ذكر معاوية يوماً صفّين . . . ثمّ قال عبد الرحمن ابن خالد بن الوليد : أما والله لقد رأيتنا يوماً من الأيّام وقد غشينا ثُعبان مثل الطَّود ( 52 ) الأرعن قد أثار قَسطلاً ( 53 ) حال بيننا وبين الأُفق ، وهو على أدهم شائل ، يضربهم بسيفه ضرب غرائب الإبل ، كاشراً عن أنيابه كشر المُخْدِرِ ( 54 ) الحرب .
فقال معاوية : والله إنّه كان يجالد ويقاتل عن ترة ( 55 ) له وعليه ، أراه يعني عليّاً ( 56 ) .
الوَليدُ بن عَبدِ المَلِك
29 – الإرشاد : قال الوليد بن عبد الملك لبنيه يوماً : يا بنيَّ عليكم بالدين ، فإنّي لم أر الدين بنى شيئاً فهدمته الدنيا ، ورأيت الدنيا قد بنت بنياناً هدمه الدين . ما زلت أسمع أصحابنا وأهلنا يسبّون عليّ بن أبي طالب ويدفنون فضائله ، ويحملون الناس على شنآنه ، فلا يزيده ذلك من القلوب إلاّ قرباً ، ويجتهدون في تقريبهم من نفوس الخلق فلا يزيدهم ذلك إلاّ بُعداً ( 57 ) .
عبد العزيز بن مَروان
30 – الكامل في التاريخ عن عمر بن عبد العزيز : كان أبي إذا خطب فنال من عليّ ( رضي الله عنه ) تلجلج ، فقلت : يا أبه ، إنّك تمضي في خطبتك ، فإذا أتيت على ذكر عليّ عرفت منك تقصيراً ! قال : أوَ فطنت لذلك ؟
قلت : نعم ، فقال : يا بنيّ ، إنّ الذين حولنا لو يعلمون من عليّ ما نعلم تفرّقوا عنّا إلى أولاده ( 58 ) .
31 – شرح نهج البلاغة عن عمر بن عبد العزيز : كان أبي يخطب فلا يزال مستمرّاً في خطبته ، حتى إذا صار إلى ذكر عليّ وسبّه تقطّع لسانه ، واصفرّ وجهه ، وتغيّرت حاله ، فقلت له في ذلك ، فقال : أوَقد فطنت لذلك ؟ إنّ هؤلاء لو يعلمون من عليّ ما يعلمه أبوك ما تبعَنا منهم رجل ( 59 ) .
عَمرَةُ بنت عَبدِ وُدّ
32 – المستدرك على الصحيحين عن عاصم بن عمر بن قتادة : لمّا قتل عليّ بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) عمرو بن عبد ودّ أنشأت أُخته عمرة بنت عبد ودّ ترثيه ، فقالت :
لو كان قاتل عمرو غير قاتلهِ * بكيته ما أقام ( 60 ) الروح في جسدي
لكنّ قاتله من لا يعاب به * وكان يدعى قديماً بيضةَ البلدِ ( 61 )
33 – شرح نهج البلاغة : قالت أُخت عمرو بن عبد ودّ ترثيه :
لو كان قاتل عمرو غير قاتلهِ * بكيته أبداً ما دمت في الأبدِ
لكنّ قاتله من لا نظير لهُ * وكان يدعى أبوهُ بيضةَ البلدِ ( 62 )
ــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) سير أعلام النبلاء : 3 / 140 / 25 ، تاريخ دمشق : 59 / 132 ، البداية والنهاية : 8 / 129 وراجع وقعة صفّين : 85 . راجع : القسم السادس / وقعة صفّين / حرب الدعاية .
( 2 ) التِّبْر : الذَّهَب ( لسان العرب : 4 / 88 ) .
( 3 ) تاريخ دمشق : 42 / 414 .
( 4 ) في المصدر : ” الغبي ” ، والصحيح ما أثبتناه كما في شرح الأخبار .
( 5 ) الإمامة والسياسة : 1 / 134 ؛ شرح الأخبار : 2 / 98 نحوه وراجع شرح نهج البلاغة : 1 / 24 وكشف الغمّة : 2 / 47 .
( 6 ) فضائل الصحابة لابن حنبل : 2 / 675 / 1153 ، تاريخ دمشق : 42 / 170 / 8590 و 8591 ، المناقب لابن المغازلي : 34 / 52 ، الرياض النضرة : 3 / 162 عن أبي حازم .
( 7 ) المناقب لابن شهر آشوب : 2 / 377 ، شرح الأخبار : 2 / 315 / 645 ؛ تاريخ دمشق : 12 / 206 عن حجّار بن أبجر وفيه ” فقال الآخر : أنت ضيّعت مالك ” بدل ” وقال للآخر . . . ” وراجع مقتل أمير المؤمنين : 107 / 95 .
( 8 ) المحاسن والمساوئ : 52 .
( 9 ) تاريخ دمشق : 42 / 415 .
( 10 ) المخمصة : المجاعة ( النهاية : 2 / 80 ) .
( 11 ) لم تندَ : من الندى : السخاء والكرم . والصَّفاة : صخرة ملساء . يقال في المثل : ” ما تَنْدى صَفاتُه ” ( تاج العروس : 20 / 234 وج 19 / 602 ) .
( 12 ) غافر : 71 .
( 13 ) شرح نهج البلاغة : 11 / 253 ؛ بحار الأنوار : 42 / 118 .
( 14 ) الساج : الطَّيْلسان الضخم الغليظ ( لسان العرب : 2 / 302 ) ، والطَّيلسان : ضربٌ من الأكسية ( لسان العرب : 6 / 125 ) .
( 15 ) الواو هنا حاليّة .
( 16 ) الغطمطة : اضطراب الأمواج ( لسان العرب : 7 / 363 ) .
( 17 ) القُماقِم من الرجال : السيّد الكثير الخير ، الواسع الفضل ( لسان العرب : 12 / 494 ) .
( 18 ) كذا في المصدر ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ” السادة ” .
( 19 ) تاريخ دمشق : 42 / 415 .
( 20 ) الاستيعاب : 3 / 209 / 1875 ؛ العدد القويّة : 250 / 61 .
( 21 ) من القيلولة : نومة نصف النهار ( لسان العرب : 11 / 578 ) .
( 22 ) مقتل أمير المؤمنين : 105 / 94 ، تاريخ دمشق : 42 / 583 .
( 23 ) تاريخ دمشق : 42 / 582 ، البداية والنهاية : 8 / 16 وزاد في آخره ” وفضله وسوابقه وخيره ” وص 130 نحوه .
( 24 ) الإمامة والسياسة : 1 / 129 .
( 25 ) ” إنْ ” هنا نافية بمعنى ” ما ” ، و ” إنّ ” وما بعدها بمنزلة التعليل لما قبلها .
( 26 ) تاريخ الطبري : 4 / 561 ، الكامل في التاريخ : 2 / 358 وفيه ” تقاتل ” بدل ” نقاتل ” .
( 27 ) المناقب للخوارزمي : 199 / 240 .
( 28 ) تاريخ اليعقوبي : 2 / 186 ، وقعة صفّين : 37 وفيه صدره إلى ” إلاّ أن تظلمه ” ؛ أنساب الأشراف : 3 / 73 ، الإمامة والسياسة : 1 / 118 نحوه .
( 29 ) العِكْمان : عِدلان يُشدّان على جانبي الهودج بثوب ( لسان العرب : 12 / 415 ) .
( 30 ) وقعة صفّين : 37 ؛ شرح نهج البلاغة : 2 / 64 نحوه .
( 31 ) الزخرف : 75 .
( 32 ) وقعة صفّين : 237 ؛ شرح نهج البلاغة : 5 / 189 .
( 33 ) فتّ في ساعده : أضعفه وأوهنه ( لسان العرب : 2 / 65 ) .
( 34 ) وقعة صفّين : 222 ؛ شرح نهج البلاغة : 5 / 180 .
( 35 ) من الطِّرْق : القوّة ( لسان العرب : 10 / 223 ) .
( 36 ) وقعة صفّين : 162 ؛ شرح نهج البلاغة : 3 / 319 .
( 37 ) السَّكاسِك : حيّ من اليمن أبوهم سكسك بن أشرس ؛ من أقيال اليمن ( لسان العرب : 1 / 442 ) .
( 38 ) كتيبة جأْواء : هي التي يعلوها لون السواد الكثرة الدروع ( لسان العرب : 14 / 127 ) .
( 39 ) فَيَّلَ رأيه تفييلاً : أي ضعّفه ( لسان العرب : 11 / 535 ) .
( 40 ) وقعة صفّين : 470 – 472 ؛ شرح نهج البلاغة : 15 / 122 – 124 .
( 41 ) القَذال : جماع مؤخّر الرأس من الإنسان والفرس ( لسان العرب : 11 / 553 ) .
( 42 ) الرَّهْج : الغبار ( لسان العرب : 2 / 284 ) .
( 43 ) التُّرُّهات : الأباطيل ( لسان العرب : 13 / 480 ) .
( 44 ) الأمالي للطوسي : 134 / 217 ، بشارة المصطفى : 270 وراجع وقعة صفّين : 473 .
( 45 ) المناقب لابن شهر آشوب : 2 / 85 ، بحار الأنوار : 41 / 69 / 2 .
( 46 ) البَدْرة : كيس فيه ألفٌ أو عشرة آلاف ( لسان العرب : 4 / 49 ) .
( 47 ) ونسب البعض هذه الأبيات إلى الناشئ الصغير . راجع الغدير : 4 / 27 .
( 48 ) نفحات الأزهار : 4 / 202 .
( 49 ) وقعة صفّين : 463 ؛ شرح نهج البلاغة : 8 / 98 وفيه ” إلى عليّ ( عليه السلام ) في أيّام عثمان ” بدل ” يوم الدار مع عثمان ” .
( 50 ) المناقب لابن شهر آشوب : 2 / 85 ، بحار الأنوار : 41 / 68 / 2 وراجع المناقب للخوارزمي : 235 .
( 51 ) شرح نهج البلاغة : 13 / 220 .
( 52 ) الطَّوْد : الجبل العظيم ( لسان العرب : 3 / 270 ) .
( 53 ) القَسْطل : الغبار الساطع ( لسان العرب : 11 / 557 ) .
( 54 ) المُخدِر : الذي اتّخذ الأجمة خِدراً ( لسان العرب : 4 / 231 ) .
( 55 ) التِّرَةُ : النقص . وقيل : التَّبِعة ( النهاية : 1 / 189 ) .
( 56 ) وقعة صفّين : 387 ؛ شرح نهج البلاغة : 8 / 53 .
( 57 ) الإرشاد : 1 / 310 ، بحار الأنوار : 42 / 19 / 6 .
( 58 ) الكامل في التاريخ : 3 / 256 .
( 59 ) شرح نهج البلاغة : 13 / 221 .
( 60 ) في المصدر : ” قام ” ، والصحيح ما أثبتناه .
( 61 ) المستدرك على الصحيحين : 3 / 36 / 4330 وراجع بحار الأنوار : 20 / 260 .
( 62 ) شرح نهج البلاغة : 1 / 20 .
المصدر: موسوعة الإمام علي(ع) في الكتاب والسنة والتاريخ / الشيخ محمد الريشهري