Search
Close this search box.

فريضة العلم

فريضة العلم

من هنا رفع رسول الله “ص” في بداية دعوته شعار إلزامية التعلُّم، وأن العلم ليس من باب الأدب المستحب بل هو من الفرائض، فقد اشتهر عنه صلى الله عليه وآله: “العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة” وفي سيرة رسول الله “ص” جعل فداء الأسرى تعليم الأميين القاءة والكتابة، وجعل مهر المرأة تعليمها آيات القرآن الكريم وقد بيّن رسول الله “ص” وأهل بيته “ع” مكانة العلم وآثاره، فتحدثوا عن آثار دنيوية وأخروية.

 الآثار الأخروية
فنكتفي فيها بما روي عن رسول الله “ص”: “من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من النار فلينظر إلى المتعلمين” فوالذي نفسي بيده ما من متعلم يختلف إلى باب العالم إلا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة ، وبنى الله بكل قدم مدينة في الجنة ويمشي على الأرض وهي تستغفر له ، ويمسي ويصبح مغفورا له ، وشهدت الملائكة أنهم عتقاء الله من النار .
أمَّا الآثار الدنيوية
فيمكن مقاربتها من خلال الحديث الوارد عن الإمام علي “ع”: “يا كميل العلم خير من المال:
1- العلم يحرسك وأنت تحرس المال
2- والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق” .
وفي حديث آخر بيّن رسول الله “ص” الضمانة لمن يفكّر في السلبية الدنيوية للعلم باعتبار أن طلب العلم يأخذ من وقت الإنسان، وبالتالي قد يؤثّر على رزقه فعنه “ص”: “من غدا في طلب العلم أظلّت عليه الملائكة، وبورك له في معيشته ولم ينقص من رزقه” .
إرشادات في التفاعل مع العلم
أرشد الرسول الأكرم “ص” وأهل بيته “ع” إلى الخطوات التي تركّز العلم وتفعّله فقد ورد أنه “ص” سئل عن حق العلم فأجاب “ص”: “الإنصات له، قال: ثم مه؟ قال الاستماع له، قال: ثم مه؟ قال الحفظ له، قال: ثم مه؟ قال ثم العمل به، قال: ثم مه؟ قال ثم نشره” .
وإضافة إلى: 1- الانصات 2-والاستماع 3- والحفظ 4- والعمل، 5-والنشر، أكّد “ص” على:
6- الكتابة
فعنه “ص” أنه قال: “قيّدوا العلم، قيل: وما تقييده؟ قال “ص” كتابته” .
وفي مقام تشجيع كتابة العلم ورد عن النبي “ص”: “إن المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم كانت الورقة ستراً فيما بينه وبين النار، وأعطاه الله تعالى بكل حرف مدينة أوسع من الدنيا وما فيها” .
7- المذاكرة
فعنه “ص”: “طلب العلم فريضة على كل مسلم، فاطلبوا العلم من مظانه واقتبسوه من أهله فإن تعليمه لله حسنة، وطلبه عبادة، والمذاكرة به تسبيح” .
وعن الإمام الباقر “ع”: “رحم الله عبداً أحيى العلم، فقيل: وما احياؤه ؟ قال”ع”: أن يذاكر به أهل الدين والورع” .
8- السؤال:
عن الإمام الصادق “ع”: “إنما يهلك الناس، لأنّهم لا يسألون” .
وعنه “ع”: “العلم خزائن والمفاتيح السؤال فاسألوا يرحمكم الله، فإنّه يؤجر في العلم أربعة: السائل والمتكلم والمستمع، والمحب لهم” .
9- مجالسة العلماء
فعنه “ص”: “…من جلس عند العالم ساعة، ناداه الملك: جلست إلى عبدي، وعزتي وجلالي لأسكننك الجنة معه ولا أبالي” .
العلم المطلوب
أيّ علمٍ هو صاحب هذه المكانة؟ وأي علمٍ هذا الذي اهتم الرسول “ص” وأهل بيته “ع” بالإرشاد إلى الخطوات التفصيلية لأجل تركيزه وتفعيله؟
قال الإمام الخميني “قده”: “إذا ظننّا أن العلم مهما كان سبب للسعادة فنحن على خطأ” ينطلق الإمام “قده” في قوله هذا من الواقع الذي أضاءت عليه نصوص الإسلام العزيز التي تحدّث عن الشروط الأساسية للعلم صاحب المنزلة وهي:
1- أن يكون العلم نافعاً
في وصية الخضر “ع” للنبي موسى “ع”: “واعلم أن قلبك وعاء، فانظر ماذا تحشو وعاءك”.
ومن لطيف ما ورد في هذا الأمر قصة ذاك الرجل عندما دخل رسول الله “ص” المسجد فإذا بجماعة قد أطافوا برجل فقال: ما هذا؟ فقيل علامة، فقال وما العلامة؟ فقالوا له :أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية والأشعار العربية، قال فقال النبي “ص”: “ذاك علم لا يضرّ من جهله ولا ينفع من عمله ثم قال “ص”: إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضل” .

إنّ هذا الحديث يضيء على العلم المطلوب من كلّ فرد، لكن هناك إضافة أساسية في العلوم التي تطلب على نحو الكفاية بحيث على بعض أفراد المجتمع أن يخوضوا غمارها وإلا يأثم الجميع، وهذه العلوم هي التي يحتاج إليها المجتمع حاجة ضرورية ويرتقي من خلالها الناس، وهي تدخل في دائرة العلوم الواجبة التي يتقرّب الطالب بدراستها إلى الله تعالى وهنا يأتي دور توجّه الطلاب وتوجيههم نحو تلك العلوم كي تحقق الغرض ولا تحصل تخمة في بعض الاختصاصات وفقر في بعضها الآخر.
2- أن يكون العلم لأجل العمل
في وصية الخضر للنبي موسى “ع”: “يا موسى تعلّم ما تعلم لتعمل به، ولا تعلّمه لتحدث به فيكون عليه بوره ويكون على غيره نوره”.
قال الإمام الخميني: العلم والالتزام بمنزلة الجناحين اللذين يمكنان الإنسان مجتمعين من الوصول إلى مدارج الكمال.
وكلّما كانت الغاية العملية أسمى كلّما كانت منزلة العلم أعلى وأرقى.
من هنا ورد عن النبي “ص”: ” من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيى به الإسلام كان بينه وبين الأنبياء درجة واحدة في الجنة” .
وإحياء الإسلام لا يكون فقط بالعلوم الدينية المحضة، بل قد يحصل من خلال التطوير الإنتاجي للعلم الذي يجعل اسلام المجتمع غير مقيّد بقيود الظلم، ويجعل المجتمع الاسلامي في مقام جذب الآخرين إليه.
وما يحصل في إيران الإسلام هو مصداق لهذا الإحياء، وقد عبّر سماحة الإمام الخامنئي دام ظله عن هذه الحقيقة في قضية تخصيب اليورانيوم حينما قال: بأنه بعد سنوات سوف ينضب النفط، وحينها ستكون الدول المستقلة غير التابعة هي الدول التي خصّبت اليورانيوم، وغيرها سيتبع لها، لذا فإنّنا نصرّ على تخصيب اليورانيوم حتى لا تلعننا الأجيال القادمة.
3- أن ينطلق العلم من التقوى
عن الرسول الأكرم “ص” : “من تعلم علماً من علم الآخرة يريد به الدنيا عرضاً من عرض الدينا لم يجد ريح الجنة” .
وعنه “ص”: “ما ازداد عبد علماً فازداد في الدنيا رغبة إلا ازداد من الله بعداً” .
قال الشاعر: لو كان العلم من دون تقى شرفاً لكان أشرف خلق الله إبليس
إنّ من يحقّق شروط العلم هذه سوف يصل إلى حقيقة يعيشها الإنسان، ولكن ويصعب عليه أن ينقلها في قوالب البراهين والأدلة، وهي أنَّ الله تعالى هو الذي يفتح له أبواب العلم المغلقة ليرتقي بها في مدارج الكمال.
من هنا حينما حدّثنا الله تعالى عن رفعة الإنسان في الآية الكريمة:” يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ “ .، ذكر عنوانين هما الإيمان والعلم لكنه تعالى في العنوان الأول قال عز وجل “آمنوا”؛ لأن الإيمان هو فعل ينطلق من الإنسان، لكنه في العنوان الثاني لم يقل “علموا”، بل قال “أوتوا العلم”؛ لأنَّ الله تعالى هو الذي يفتح للإنسان أبواب العلوم والمعارف فيؤتيه ما لم يعلم.
والحمد لله رب العالمين

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل