الحديث عن الصَّحابة الأجلَّاء وأدوارهم المشرّفة مع الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، لا ينتهي أو يتوقف.
فنجدهم (رضوان الله عليهم) قد تركوا خلفهم آثاراً وأدواراً بارزة من أجل نصرة الدِّين الإسلامي، ناتجاً عن صدق إيمانهم وولائهم للدَّعوة الإسلامية ولمن أتى بها وأؤتمن عليها ومن خَلَفَه بعده عليها، ومن هؤلاء الصَّحابة: الصَّحابي الجليل عَدِي بن حاتم الطاَّئي (رضوان الله عليه).
نسبه:
عَدِيّ بن حاتِم الطائيّ بن عبدالله… بن يَعرُب بن قحطان. يُكنّى بـ « أبي طَريف » و « أبي وَهب » .
ولادته:
بناءً على أنّ عمره حين وفاته 120 سنة، تكون ولادته ما بين سنة 51 ـ 54 قبل الهجرة النبويّة المباركة.
نشأته:
نشأ عَدِيّ بن حاتِم منذ طفولته في الجاهليّة وسط بيت يشخص فيه والده المعروف بالكرم؛ فقد كان أحد الثلاثة الذين ضُرب بهم المثَل في الجود زمن الجاهليّة.
تزوّج حاتم امرأة تُدعى النَّوار، كانت تلومه على كرمه، فتزوّج ماويّة بنت عفزر من بنات ملوك اليمن وكانت تحبّ الكرم وتوقّر الكرماء، فأنجبت له عَدِيّاً.
وقد ورث عَدِيٌّ تلك الخصال الحميدة عن أبيه.. الذي روى فيه الإمامُ الرضا عليه السّلام أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لعديّ: رُفع عن أبيك العذاب بسخاوة نفسِه.
ونشأ على تلك المكارم حتّى هذّبها له الإسلام، فانتهت إليه رئاسة طيّء بعد أبيه.. وفي ذلك يقول الشاعر:
شابَهَ حاتِماً عَدِيٌّ في الكَرَمْ ومَن يُشابِهْ أبَهُ فما ظلَمْ
ومن أخبار جُود عَدِيّ أنّه سمع رجلاً من الأعراب يقول: يا قوم، تصدّقوا على شيخٍ مُعيل، وعابرِ سبيل، شَهِد له ظاهرُه، وسمع شكواه خالقُه.. بدنُه مطلوب، وثوبُه مسلوب.
فقال له عديّ: مَن أنت ؟ قال: رجلٌ من بني سعد في ديةٍ لَزِمَتْني. قال: فكم هي ؟ قال: مائة بعير، قال عديّ: دوَنكَها في بطن الوادي.
وأرسل الأشعث بن قيس إلى عَديّ يستعير منه قُدورَ حاتم أبيه، فأمر بها عديّ فمُلِئت، وحملها الرجال إلى الأشعث، فأرسل الأشعث إليه: إنّما أردناها فارغة، فأرسل إليه عديّ: إنّا لا نُعيرها فارغة.
ومن هنا وصفه ابن عبد البَرّ بأنّه: كان سيّداً شريفاً في قومه، فاضلاً كريماً، خطيباً حاضر الجواب.
وقال فيه ابن كثير: كان حاتم جواداً مُمدَّحاً في الجاهليّة، وكذلك ابنُه في الإسلام.
وقال ابن حجر العسقلانيّ يعرّفه: وَلَد الجواد المشهور، أبو طَريف، وكان جواداً.
وقال ابن الأثير: وكان جواداً شريفاً في قومه، معظَّماً عندهم وعند غيرهم.
وقال الزركليّ يتابع: عديّ بن حاتم.. أمير صحابيّ من الأجواد العقلاء، كان رئيس طيّء في الجاهليّة والإسلام.
صفته:
كان عديّ بن حاتم رجلاً جسيماً، أعور.. ولم يكن العَوَر خِلقةً فيه، بل طرأ عليه أثناء حروبه إلى جانب أمير المؤمنين عليه السّلام، فشهد واقعة الجمل وفيها ذهبت إحدى عينيه، وشهد وقعة صِفِّين فذهبت فيها الأُخرى.
ويبدو أنّ ذهاب العين لم يكن كاملاً، لأن عديّاً اشترك في معركة النهروان وعاصر ما بعدها من الأحداث، لكنّ العرب يعبّرون عن انقلاب الجفن وما شابهه من العيوب التي تُصيب العين ولا تذهب بالبصر كلّه بـ « العَوَر ».
قصّة إسلامه:
كان عديّ قبل البعثة على دين النصرانيّة أو الركوسيّة ( وهو دين بين النصرانيّة والصابئيّة )، ولم يكن وثنيّاً، وكانت له زعامة قومه ورئاستهم.. وقد حاول أن يحتفظ بمنصبه في طيّء وبين قبائل العرب، لكنّ الخلُقّ النبويّ جعله يدخل الإسلام ويعتنقه ويعتقده اعتقاد قلبٍ وجَنان.