يقول الله عزّوجل في محكم كتابه المبين: “وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحكُمْ” (١)، من صلب تعالیم القرآن نبعت ثقافة أهل البيت القائلة بأهمية التمسّك بحبل الوحدة حيث نجد العديد من الروايات والأحاديث التي تحثّ أتباع أهل البيت على انتهاج سبيل الوحدة مع إخوانهم من أتباع سائر الفرق والمذاهب الإسلامية. يُنقل عن مرازم أحد أتباع الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “حمّلني أبوعبدالله -عليه السلام- رسالةً، فلمّا خرجتُ دعاني فقال: يا مرازم لِمَ لا يكون بينكَ وبين النّاس إلّا خيرٌ وإن شَتَمونا؟!” (٢) كما يُنقل أن أمير المؤمنين علي عليه السلام حين علم في حرب صفّين أن عمرو بن عدي وعمرو بن حمق يسبّون ويلعنون أهل الشام نهاهما عن ذلك وتوجّه إلى القوم بالقول: “كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين تشتمون وتبرأون ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا وكذا ومن أعمالهم كذا وكذا كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم اللهم احقن دماءهم ودماءنا، وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم ، من ضلالهم حتى يعرف الحق من جهله منهم ، ويرعوي عن الغي والعدوان منهم من لهج به لكان أحب إلي وخيرا لكم.” (٣)

من سيرة أهل البيت هذه انبثق خطاب قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي الذي وعلى مدى الأعوام المنصرمة استمرّ في الدعوة إلى الوحدة والألفة بين المسلمين والتحذير من مغبّات الانسياق وراء الفتنة والتفرقة التي ما هي إلا وسيلة ماكرة يستغلّها أعداء الأمة الإسلامية من أجل بلوغ مآربهم وجني مطامعهم ونهب خيرات البلدان الإسلامية.

نسعى في هذا التقرير إلى تسليط الضوء على أهم المحاور التي تحدّث حول الإمام الخامنئي في مختلف المناسبات.

يُركّز قائد الثورة الإسلامية على ضرورة امتلاك جميع المسلمين الوعي والبصيرة والانتباه دائما إلى مخططات الأعداء حيث يقول سماحته في نداء إلى حجاج بيت الله الحرام: “إنّني أعلن وكما هو رأي الكثير من علماء المسلمين والحريصين على الأمّة المسلمة، أنّ كلّ قول أو عمل يؤدّي إلى إشعال نار الاختلاف بين المسلمين، وكلّ إساءة لمقدسات أيّ من الجماعات الإسلاميّة أو تكفير أحد المذاهب الإسلاميّة، هو خدمة لمعسكر الكفر والشرك وخيانة للإسلام، وهو حرام شرعًا.” (٤) فجبهة الاستكبار تسعى دوما إلى تشتيت الأمة وزعزعة استقرارها لتتمكن من الجثوم على صدرها وغرز خنجرها وتوجيه ضربتها القاضية. 

الجمهورية الإسلامية مذ قامت أعلنت سياستها المرتكزة على الوحدة ونبذ العنف ما بين المسلمين، حيث يعلن مؤسسها الإمام الخميني الراحل أن الفرقة من الشيطان، والاتحاد ووحدة الكلمة من الرحمن، كما أن قائد الثورة الإسلامية يصرّح في إحدى خطبه أن شعار الوحدة الإسلامية شعار استراتيجي: “أنا منذ مدة طويلة على اعتقاد بأن الوحدة قضية استراتيجية وليست تاكتيكا يرتكز على مصلحة معينة.” (٥) يعلن الإمام الخامنئي أيضا سياسة بلاده في خطبتي صلاة الجمعة التي تقام في مدينة طهران بالقول: “إيران لا تستهدف نشر التوجّه الإيراني أو الشيعي بين المسلمين. إيران تنهج طريق الدفاع عن القرآن والسنة النبوية الشريفة وإحياء الأمة الإسلامية. الثورة الإسلامية تعتقد أن مساعدة المجاهدين من أهل السنّة في منظمات حماس والجهاد، والمجاهدين الشيعة في حزب الله وأمل واجبًا شرعيًا وتكليفًا إلهيًا دونما تمييز بين هذا وذاك. وحكومة إيران تعلن بصوت مرتفع قاطع أنها تؤمن بنهضة الشعوب (لا بالإرهاب)، وبوحدة المسلمين (لا بالغلبة والتناحر المذهبي)، وبالاخوّة الإسلامية (لا بالتعالي القومي والعنصري)، وبالجهاد الإسلامي (لا بالعنف تجاه الآخر، وهي ملتزمة بذلك إن شاء الله).”  ثم يبيّن سماحته مفهوم الوحدة الإسلامية نافيا كلّ ما يطرح من شبهات تدّعي أن الوحدة الإسلامية تعني تخلّي المسلمين عن عقائدهم فيقول لدى لقائه ضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية: “الوحدة تعني التأكيد على المشتركات؛ لدينا الكثير من المشتركات؛ فالمشتركات بين المسلمين أكثر من موارد الاختلاف، يجب التأكيد على المشتركات.” (٦)

نُرفق هنا مقطعا من كلام الإمام الخامنئي يوضح ما سبق من توصية سماحته فيما يخص التأكيد على المشتركات ما بين الفرق الإسلامية واحتراز التركيز على نقاط الخلاف، يقول قائد الثورة الإسلامية في لقاء مع أهالي مدينة سقز: “يقوم السنة والشيعة كلّا على حِدة بإحياء احتفالاتهم الدينية، آدابهم وعاداتهم وتأدية مسؤولياتهم الدينية وعليهم القيام بذلك؛ لكن الخط الأحمر هو أنه لا يُسمح وبشكل حاسم بأن يصدر إهانة للمقدسات – إن كانت صادرة عن بعض أفراد الشيعة نتيجة الغفلة أو عن بعض أفراد السنة كالسلفيين وأمثالهم نتيجة الغفلة أيضا، كلا الطرفين ينبذ الآخر-. هذا تماما ما يبتغيه العدو.” (٧)

نجد في خطابات الإمام الخامنئي حرصا كبيرا على تبيين أن الوحدة باتت في يومنا هذا حاجة ملحّة ترتقي لأن تكون الأولوية الأولى بالنسبة للعالم الإسلامي، يقول سماحته لدى لقائه ضيوف مؤتمر الوحدة الثامن والعشرين: “الأهم وما هو بالدرجة الأولى من الأولوية للعالم الإسلامي یتمثل في الوحدة. نحن المسلمين ابتعدنا عن بعضنا كثيراً. لقد كان للسياسات في هذا المضمار للأسف مساع موفقة في الفصل بین المسلمين وتفریق قلوب الجماعات المسلمة بعضها عن بعض. نحتاج اليوم إلى الوحدة.”

إذا فإننا كمسلمين موظّفون جميعا بطمس جميع معالم التفرقة والنزاع التي لا تؤدّي بنا إلا إلى المزيد من الابتعاد عن سيرة الرسول الأكرم الذي يعبّر الإمام الخامنئي أنه محور الوحدة الإسلامية ويقول في خطاب له لدى لقائه ضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية: “الأمّة تطلب من الرسول الأكرم عيديّة؛ لكنّها موظّفة في قبال النبي أن تؤدّي مسؤولية هذه العيديّة. عيديّة الأمة هي أن تحفظ الوحدة وتحافظ على ماء وجه الرسول الأكرم.” (٨)

رؤوية الامام الخامنئي للوحدة

المصادر:

١- سورة الأنفال، الآية ٤٦

٢- علي بن الحسن بن فضل الطبرسي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، الصفحة ١٢٨

٣- ابن مزاحم المنقري، وقعة صفّين، ص١٠٣؛ بحار الأنوار، ج٣٢، ص٣٩٩ وأبوحنيفة الدينوري، الأخبار الطوال، ص١٦٥؛ ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج٣، ص١٨١

٤- نداء الإمام الخامنئي إلى حجاج بيت الله الحرام بتاريخ ١٤/١٠/٢٠١٣

٥- خطاب الإمام الخامنئي لدى لقائه القائمين على مؤتمر أهل البيت العالمي بتاريخ ١٥/٤/١٩٩٠

٦- كلام الإمام الخامنئي في خطبتي صلاة الجمعة بتاريخ ٣/٢/٢٠١٢

٧- خطاب الإمام الخامنئي لدى لقائه بأهالي سقز بتاريخ ١٩/٥/٢٠٠٩

٨- خطاب الإمام الخامنئي لدى لقائه مسؤولي النظام بتاريخ ٢/٣/١٩٩٥

رؤوية الامام الخامنئي للوحدة