Search
Close this search box.

إدارة: التخطيط

إدارة: التخطيط

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


1- التخطيط

بعد أن اتّضحت “كليات مسائل” الشورى وارتباطها باتخاذ القرار الذي هو من المسؤوليات العشر

الملقاة على عاتق المدير والقائد، لا بد من الاستعانة بالتخطيط لأجل تحقق هذا الأصل بصورة فعَّالة.
المدير الناجح هو الذي يستطيع أن يستفيد استفادة كاملة من “التخطيط”

الذي يحتاج أيضاً إلى الاستعانة بتجاربه الخاصة وتجارب الآخرين وخبراتهم.

وباختصار: لا ينبغي بل لا يمكن للمدير أن يدخل إلى مرحلة العمل بدون هذا الأصل؛ غاية الأمر أنه قد يحتاج إلى تخطيط قصير المدى، وتارة إلى تخطيط بعيد المدى.

هذا التخطيط الواجب لبرنامج العمل قبل الشروع فيه من بدايته وحتى نهايته

قد لا يكون ممكناً في بعض الأحيان كأن تحمل بعض المسائل بطبيعتها نوعاً من الغموض والإبهام بشأن مستقبلها، وهنا لا ينبغي أن يتوقف العمل لحظة واحدة بل لا بديل عن أن يلجأ المدير

إلى “التخطيط المرحلي” فيضع لأجل الوصول إلى الهدف المنشود مراحل عديدة

وعلى أساسها يضع “البرامج المختلفة”.
وتبرز أهمية التخطيط “حين نعلم أن الأعمال البسيطة أيضاً تحتاج إليه

إضافةً إلى أن “التنظيم” الذي يأتي بعد هذه المسؤولية لا يمكن أن يتحقق بدونه، كما أنه بدون التنظيم لا يمكن الوصول إلى الهدف أبداً.

*شروط التخطيط

1- الدقة والوضوح من الناحية الكمية أو الكيفية (النوعية).
ب- من الناحية العملية والعينية، ينبغي أن لا يكون هناك أي إبهام أو غموض أو إجمال.
ج- يجب حساب الطاقات الإنسانية اللازمة للعمل، الميزانية، الأدوات والوسائل المطلوبة بدقة

ووضع كل هذه الأمور في موضعها المناسب ووفق المراحل المطلوبة.
د- تحدي التوقيت بدقة، ووضع المراحل الزمنية موضعها حتى لا تهدر الجهود والطاقات. فأي برنامج ينبغي أن يلتزم بالزمن المعطى له.
هـ – احتمال وقوع حادث فجائي وغير متوقع وإدخال هذا التوقع داخل البرنامج.

فما أكثر ما يواجه المدراء والقادة حوادث غير متوقعة أثناء العمل

وبسبب عدم الاستعداد لها يصل عملهم إلى طريق مسدود ويقفون عاجزين عن حل مشاكله.

إننا وبالتأمل في قصة حفر الخندق في معركة الأحزاب نقف على جانب عظيم من جوانب شخصية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الإدارية في هذا المجال، فقد قسم صلى الله عليه وآله وسلم العمل بين أصحابه بدقة بحيث أن العدو- ومع قصر المدة الزمنية- وصل بعد انتهاء العمل مباشرة.

وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقوم بنفسه في جميع تحركاته العسكرية

بمتابعة كافة المسائل ووضع البرامج الدقيقة لها.
وتقرأ أيضاً في واقعة النهضة الحسينية أن الإمام عليه السلام طلب من أنصاره

أن يتزوَّدوا من الماء بشكل إضافي وزائد عن حده، ولم يكن أحد يدري لماذا هذا العمل

ولكن عندما حاصرهم الحر في تلك الصحراء الشديدة الحر أمر الإمام عليه السلام جنده

أن يقدموا الماء لجيش الحر الذي كان قد أنهكه العطش.

وكان لهذا العمل أثر عظيم في نفوس جيش الحر الذي تاب والتحق بجيش سيد الشهداء عليه السلام.
وهناك الكثير الكثير من هذه الأعمال في سيرة الأئمة العظام عليه السلام والتي تدل على التخطيط الدبيق والبرمجة العالية.

2- التنظيم

إن الهدف من التنظيم هو تقسيم العمل على مجموعة ما بحيث يؤدّي ذلك إلى رعاية الأمور التالية:
أ- لا يبقى أي عمل بدون مسؤول، وفي نفس الوقت تجنب تداخل المسؤوليات في بعضها البعض.
ب- إيكال الأعمال إلى أشخاص مؤهلين.
ج- أن يعمل كافة أمراء المجموعة بشكل منسجم، بحيث يكون عمل كل فرد مكملاً للآخر.
د- مراعاة تسلسل المراتب في تقسيم المناصب.
هـ- أن يرتبط جميع العاملين بالإدارة أو القيادة من خلال تسلسل المراتب.

وينبغي إعطاء أهمية فائقة في التنظيم للاستعدادات والمؤهلات والتخصصات والتقوى

ولا يستفاد من هذه العناصر المناسبة فحسب بل وينبغي اصطيادها بكل ما للكلمة من معنى.

نقرأ في سيرة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه كان لأجل إيصال رسالة ما أو كتاب يتفحص ويدرس وضعية أصحابه، فيختار من هو أنسب من الآخرين، كما حدث في قضية تلاوة قراءة آيات سورة البراءة في موسم الحج لمشركي قريش والتي كانت في الحقيقة “إعلان نهاية مرحلة عبادة الأصنام”.

وقد أصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خلال الوحي الإلهي على علي عليه السلام ليكون هو المبلغ، كيف لا؟، وهو الأفضل من بين الجميع.
وفي غزوة خيبر عندما عجز الجميع عن اختراق الحصون المنيعة

قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه بتنظيم الجيش وقال جملته التاريخية المشهورة: “لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله يفتح الله على يديه يأخذها عنوة…“.
ثمّ أعطى الراية لأمير المؤمنين عليه السلام، وكان ذلك اليوم يوم سقوط حصن اليهود الحصين.

وفي حديث معروف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تظهر نقطة من أهم أصول القيادة والإدارة: من وُلّي من أمر المسلمين شيئاً، فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله “من أمّ قوماً وفيهم من هو أعلم منه، لم يزل أمرهم إلى السفاك إلى يوم القيامة“. (وسائل الشيعة/ ج5)
ويصدق هذا الأصل على كافة مراحل الإدارة والقيادة.
وقال صلى الله عليه وآله: “من وُلّي من أمر المسلمين شيئاً، فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله“.

وكما نعلم أن التنظيم العسكري في السابق كان يقوم على أساس تقسيم الجيش إلى أربعة أقسام: الميمنة، الميشرة، القلب، المقدمة أو الطلائع، كذلك في ذلك الجيش الذي لم يتجاوز الـ72 رجلاً في يوم عاشوراء صراعى الإمام الحسين عليه السلام هذا التقسيم بدقة.
فجعل أحد أصحابه في الميمنة وآخر في الميسرة، ووقف هو في قلب الجيش (وكانت مهمة المقدمة في الأغلب تقوم على أساس الرصد والاستطلاع والتحسب لأي نوع من الكمائن، وفي حال حصول أي طارئ كانت تتصل بالجيش من خلال إطلاق الأسهم).
وبالطبع فإن الأمر قد تغير في الجيوش المعاصرة واختلف التكتيك المستعمل وصار أكثر تعقيداً.

وينبغي الانتباه جيّداً إلى ضرورة وضع البديل المناسب أو الخليفة والنائب عند حصول طارئ ما، وهذا يتطلب دراسة جيدة لأحوال الأشخاص وقدراتهم.
ففي معركة “مؤتة” التي لم يشارك فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعد أن عين “جعفر بن أبي طالب” قائداً للجيش، أمر المسلمين بأن يطيعوا “زيد بن حارثة” من بعده إذا حصل له شيء ومن بعده “عبد الله بن رواحة” وأوصاهم إذا استشهد عبد الله فعليهم أن يختاروا رابعاً وأن يستمروا بالقتال.

وكان هذا الأمر في مقابل جيش الروم الجرار.
في التنظيم الدقيق، لا يترك أي موضوع أو مسؤولية بدون مسؤول أو أكثر، تحسباً للطوارئ.

الخلاصة:

1- التخطيط هو المسؤولية الثانية بعد اتخاذ القرار.
2- للتخطيط شروط عديدة لا بد من مراعاتها.
3- التنظيم وهو المسؤولية الثالثة للمدير والقائد.
4- ينبغي أن يراعي خمس مسائل أساسية.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل