Search
Close this search box.

مع الإمام الخامنئي: رسائل الشهداء

مع الإمام الخامنئي: رسائل الشهداء

إنّ ذكرى الشهداء، يا أعزّائي، هي من أجل سماع رسالة الشهيد. الشهداء رسالة لنا، وهي موجودة في القرآن، ونحن نحتاج إلى سماعها في الأحداث اليوميّة للحياة، وفي مختلف وسائل الترفيه الضروريّة وغير الضروريّة التي تحيط بنا، وكذلك في الأشياء الجذّابة المختلفة التي تجرّنا إلى هنا وهناك. وتعدّ إقامة المؤتمرات والاحتفالات التكريميّة في ذكراهم، وسيلةً نتلقّى من خلالها رسالة منهم.

* رسالة الشّهداء

1- تبيان مقام الشّهداء العظيم: إنّ للشهيد رسائل متعدّدة. وما ينقله لنا القرآن من القول الصادق لحضرة الحقّ -جلّ جلاله– في هذه الآية:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ﴾ (آل عمران: 169) نقطة مهمّة، ويدلّل على أنّ هؤلاء الشهداء أحياء؛ فعالم البرزخ فيه كثيرٌ من الأحياء. وإذا كانت حياة الشهداء من قبيل حياة الآخرين، لم يكن من الضروريّ أن يقول –تعالى- ﴿أحْيَاءٌ﴾. وبهذا، يتّضح أنّ هذه الحياة خاصّة بالشهداء، وهي تختلف عن غيرها. ثمّ إنّ قوله تعالى: ﴿أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ (آل عمران: 169)؛ يشير إلى أنّهم في محضر حضرة الحقّ المتعالي، حيث يصل إليهم الرزق الإلهيّ باستمرار.

ثمّ إنّ المقام العظيم للشهداء هو ردّ على المنافقين. المنافقون الذين كانوا يقولون-كما حكت الآية السابقة في سورة آل عمران- إنّهم ﴿قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا﴾ (آل عمران: 168)؛ أي أنّه لو لم يذهب هؤلاء الشباب إلى ساحة المعركة، لكانوا على قيد الحياة، ولكنّ القرآن يقول: ﴿قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ﴾ (آل عمران: 168)؛ ليس كما تظنّون؛ فإذا كنتم ترون المكوث وسيلةً للبقاء قيد الحياة، حسناً، افعلوا شيئاً كي لا يأتيكم الموت! لقد تغيّرَ مفهوم الحيّ والميت في هذه الآية؛ فهؤلاء المدفونة جثامينهم تحت الأرض، وتخالونهم أمواتاً، هم في الواقع أحياء، وهذه حياة برزخيّة لهم.

2- شمول الشهداء بالنعمة والفضل: ﴿فرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ (آل عمران: 170)؛ ما أنعم الله -تعالى- عليهم من فضله ورحمته، هو أكثر من الاستحقاق. أنتم تؤدّون عملاً، وقد حدّد الله له ثواباً، وهذا الثواب هو مقابل ذلك العمل. أمّا الفضل فهو، مضافاً إلى ذلك الثواب، أنّه يكافئكم بشيء آخر أيضاً.

3- سعادة الشهداء بمن يلحق بهم: بعد ذلك يقول تعالى: ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (آل عمران: 170)؛ إنّهم مستبشرون. “المستبشر” صفة تُقال للشخص الذي يتلقّى بشارة ويصير فرحاً. هم يقولون: إنّنا من أجلكم -أنتم الذين لم تلحقوا بنا ولكنّكم على طريقنا، وحركتكم نحو هدفنا- فرحون بالمصير الذي ينتظركم. ما هو ذلك المصير؟ ﴿أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. اعلموا، أنتم الذين تتحرّكون في طريقنا، أنْ لا خوف ولا حزن عليكم في المستقبل؛ هكذا هي [القضيّة]. هذه رسالة مهمّة جدّاً من الشهيد لنا. ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ﴾ (آل عمران: 171)؛ سوف يعطيكم الله نعمة وفضلاً. ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 171)؛ هذه الحركة التي تفعلونها، لها أجر عند الله، ولن يضيّع الله هذا الأجر. إنّهم يقوّوننا ويحفّزوننا ويشجّعوننا لنجعل هذه الحركة مُحكمة أكثر، وأقوى، وأكثر استدامة واستمراريّة. إنّهم مستبشرون بحركتكم، وبشارة أفعالكم، ستجعلهم فرحين ومستبشرين.

* التعريف بالشهداء وأهدافهم

لماذا ذهب الشهداء إلى ساحة المعركة؟ من وجهة نظري ونظركم، من الواضح أنّ دافعهم نصرة الحقّ؛ وفي كثير من تلك الوصايا، ذُكر الاسم المبارك للإمام قدس سره، وقضيّة الحجاب والثورة. لكن يجب توضيح وإبراز دوافعهم وأهدافهم للآخرين. لقد ذهبوا لإنجاز غاية مهمّة؛ لمنع العدو من القضاء على نهج الثورة، وقد استشهدوا لهذه الغاية. من المهمّ جدّاً أن نُبرز أسماء هؤلاء الشهداء، الذين يبعثون على الفخر، للشباب، ونعرّفهم بهم، خصوصاً أولئك الطلّاب الذين استشهدوا ولم يتجاوزوا العشرين. يجب أن يُدرك طالب اليوم، أنّ ما فعله الجيل السابق فعله حين كان في مثل عمره ومرحلته.

* تدوين ذكريات عوائل الشهداء

ثمّة مسألة أخرى، هي موضوع ذكريات آباء الشهداء وأمّهاتهم. طبعاً، كثيرون من آباء الشهداء وأمّهاتهم قد رحلوا، مع الأسف، قبل أن تدوّن ذكرياتهم، لكنّ بعضهم لا يزال على قيد الحياة، بحمد اللّه. ذكريات زوجات الشهداء مهمّة جدّاً كذلك، ويجب أن تُسجّل، ولحسن الحظّ، كثيرات منهنّ على قيد الحياة. لكن تبقى لذكريات آباء الشهداء وأمّهاتهم ميزة خاصّة، لأنّها تصوّر الجوّ الداخليّ لتربية الشهيد في العائلة، بالنسبة إلينا.

فنحن، يهمّنا كثيراً أن نعرف، ما الذي كانت تفعله تلك العائلة التي قدّمت شهيداً أو اثنين أو ثلاثة؟ وكيف تمّت إدارتها؟ وما الذي فعله الوالدان لخلق مثل هذا الحافز والحركة لدى هؤلاء الشباب حتّى ينهضوا ويذهبوا إلى الجبهة؟! هذا مهمّ، ويجب الالتفات إليه.

(هذه هي، إذاً، أهميّة إحياء ذكراهم وتكريمهم؛ فتبقى بذلك رسائلهم لنا قائمة على مرّ الزمن).

(*) من كلمة لسماحته دام ظله، بتاريخ: 2021/03/15م.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل