الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرعان من فروع الدين الإسلاميّ. وقد ثَبَتَ وجوبهما من القرآن، والسُنّة، والإجماع، والعقل؛ فأجمع المسلمون على ذلك. وفي تركهما خسرانٌ كبير؛ لأنّ الحفاظ عليهما يساهم بشكلٍ كبير وفعّال، في حفظ الدين والشريعة.
* مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
للأمر والنهي ثلاث مراتب يجب مراعاتها؛ فما دامت المرتبة الدانية مؤثّرة، بمعنى أنّه يحصل المطلوب منها، لا يجوز الانتقال إلى المراتب التي تعلوها، بل مع احتمال حصول المطلوب، لا يجوز التعدّي.
مثلاً: الأمر والنهي باللّسان في مراتب عدّة؛ فإذا كان التأثير يُحتمل بالقول الليّن، لا يجوز الأمر والنهي بالقول الغليظ والشديد.
أمّا المراتب فهي:
1- المرتبة الأولى: الإنكار القلبيّ
أ- المقصود منه إظهار الانزجار القلبيّ؛ أي يجب على المكلّف أن يُظهر التنفّر والانزجار القلبيّ؛ بسبب فعل المنكر وترك المعروف. وله درجات، منها: غمضُ العينين، والعبوس والانقباض في الوجه، والإعراض بوجهه أو بدنه، وهجره…، ونحو ذلك.
ب- يجب الاقتصار على الأدنى مع احتمال التأثير، ويجب الاقتصار فيها على ما يؤثّر، فإذا علم أو احتمل حصول المطلوب بغمض العينين، لا يجوز التعدّي إلى مرتبة أعلى. وإذا لم تؤثّر، يجب الانتقال إلى المرتبة الأعلى، وهكذا.
ج- يحرم الرضى بفعل المنكر وترك المعروف، بل يجب كراهتهما قلباً، وهذه المسألة غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- المرتبة الثانية: الأمر والنهي باللّسان
أ- إذا احتمل المكلّف التأثير بالموعظة والنصيحة والقول الليّن، فيجب عليه الاقتصار على هذه المرتبة، ولا يجوز أن يتعدّاها؛ وإذا توقّف ترك المنكر وإقامة المعروف على القول الشديد والغليظ أو التهديد، فيجب العمل وفق ذلك، بشرط التحرّز عن الكذب.
ب- إذا علم عدم تأثير بعض المراتب، واحتمل التأثير بالجمع بين الانقباض والعبوس (من المرتبة الأولى)، وبين الإنكار لساناً (من المرتبة الثانية) فيجب الجمع، وهكذا.
ج- إذا كان بعض الأشخاص، يشغّلون أشرطة الموسيقى والغناء اللهويَّين في الحافلات وبعض أمكنة العمل، وهم لا يستجيبون رغم النصائح والإرشادات بإقفال المسجّلات، ففي هذه الحالة وأمثالها، إذا توفّرت شروط النهي عن المنكر، لم يجب أكثر من النهي اللّسانيّ عنه، فإن لم يؤثّر، وجب اجتناب الإنصات للمنكر، ولو وصل ذلك إلى سمع المكلّف دون إرادةٍ منه، فلا شيء عليه في ذلك. وإذا كان المكلّف مضطرّاً إلى استقلال الحافلة، أو كان متواجداً في مكان العمل المذكور، فلا بأس عليه في استقلالها ليصل إلى مكان العمل والاشتغال فيه، ولكن يجب عليه ترك الاستماع إلى الأغاني والموسيقى المحرّمة (الاستماع بإرادته)، وإن كانت تصل إلى مسامعه.
3- المرتبة الثالثة: الأمر والنهي العمليّان
أ- إذا علم المكلّف أو اطمأنّ أنّ الأمر والنهي لا يحقّقان المطلوب بالمرتبتين السابقتين، فيجب الانتقال إلى المرتبة الثالثة؛ وهي إعمال القدرة بشرط مراعاة الأيسر فالأيسر.
ب- يجب على المكلّف في هذه المرتبة إعمال القدرة والسلوك العمليّ (باليد) لمنع المتخلّف عن فعل المنكر وترك المعروف. ولكن، لو كان الإنكار موجباً للجرح، فلا يجوز إلا بإذن الفقيه الجامع للشروط.
ج- الدفاع عن النفس له أحكام تفصيليّة في محلّها.
*اختلاف المراتب باختلاف المكلّفين
لو حصل المطلوب بالمرتبة الدانية من شخص، والمرتبة التي تعلوها من آخر، فيجب على كلٍّ منهما العمل بحسب تكليفه وقدرته، ولا يجب الإيكال إلى من يحصل المطلوب منه بالمرتبة الدانية.
* هجر فاعل الحرام
إذا كان مرتكب الحرام لا يكفّ عن فعله إلّا بهجره، فيجب حينئذٍ هجره، وقطع العلاقة معه.
* المعذور
لو كان مرتكب الحرام أو تارك الواجب معذوراً في فعله شرعاً أو عقلاً، لا يجوز الإنكار، بل مع احتمال وجود العذر، فالأحوط وجوباً ترك الإنكار. فمثلاً: مع احتمال كون المُفطر في شهر رمضان المبارك مسافراً، فالأحوط وجوباً ترك الإنكار. نعم، لو كان فعله جهراً موجباً لهتك أحكام الإسلام، أو موجباً لجرأة الناس على ارتكاب المحرّمات، فيجب نهيه عن الجهر.
* الموقف من الظَلَمة
1- لو كان في إعراض علماء الدين ورؤساء المذهب عن الظَلَمة، وسلاطين الجور، احتمال التأثير ولو في تخفيف ظلمهم، وجب عليهم ذلك.
ولو فُرض أنّ العلاقة معهم مؤثرةٌ في التخفيف من ظلمهم، فلا بدّ من ملاحظة الجهات وترجيح الجانب الأهمّ، ومع عدم وجود محذور آخر (كاحتمال كون عشرتهم موجبة لتقوية شوكتهم، وتجرّؤهم على هتك الحرمات، أو هتك مقام العلم والروحانيّات، وإساءة الظنّ بعلماء الإسلام) وجب إنشاء علاقةٍ معهم للتأثير عليهم.
2- لو كان في قبول هدايا الظَلَمة وسلاطين الجور تقويةٌ لشوكتهم، وتجرّؤهم على الظلم، وابتداع البدع، فيحرم القبول. ولو كان القبول مؤثّراً فيهم، بحيث يرتدعون عن الظلم أو يخفّفون منه، وجب ملاحظة الجهات وتقديم الأهمّ.
* الاستعانة بالظالم
لو توقّف دفع منكر أو إقامة واجب على الاستعانة بالظالم، وجب ذلك، مع الأمن من تعدّي الظالم عمّا هو مقتضى التكليف.