Search
Close this search box.

الدين في دائرة الاستهداف

الدين في دائرة الاستهداف

مركز الحرب الناعمة للدراسات


تحوَّلَ الدين بمفاهيمه وتعاليمه إلى قضيّة جوهريّة ومحوريّة في الصراع الناعم بالأخص ذاك الذي يستهدف الإسلام. والسبب وراء ذلك، التعاند والتعارض الجوهريّ بين حقيقة الدين وتأثيراته وتجلياته، وبين الخطط المعادية الآتية من كل حدْبٍ وصَوب. وبعيداً عن التخمين اللّاواعي والغرق في فكرة التآمر، يكفي الإطلالة السريعة على النشاطات والأعمال والحركات المستهدفة للدين.

قبل الدخول في عناوين الاستهداف التي نطالعها في البرامج التلفزيونيّة والإعلاميّة ووسائل التواصل والمؤسسات والمراكز البحثيّة والعلميّة… لا بد من إطلالة على الخطط والمشاريع المؤسِّسة لهذه الحرب على الدين.

* الخطط الأمريكيّة لاستهداف الدين

نرى في العديد من الدراسات والتقارير التي أصدرتــــها المؤسسات الأمريكيّـــة(1)، التخطيط المسبق والعلني لاستهداف تعاليم الدين الإسلامــــي، كـونها تشكل الخطر الأبرز على سياسات الولايات المتّحدة الراغبة في إعادة صياغة العالم الإسلامي بصورة جديدة تنسجم بالكامل مع السياسات والاستراتيجيات الأمريكيّة.

أصدر مركز راند للدراسات الاستراتيجية(2) العديد من الدراسات التي خطّطت لاستهداف الإسلام. وكان من أبرزها دراسة “بناء شبكات إسلامية معتدلة”. إنّ الهدف المعلن من الدراسة تغيير الإسلام. باعتبار أنّ تحقيق الأهداف الأمريكيّة لا ينسجم مع المعتقدات والتعاليم الإسلامية. اللّافت في التقارير تركيزها على عناوين. من أبرزها:
1- التشديد على ضرورة إنتاج إسلام معتدل؛ والواقع أنّ المعيار الوحيد الذي يميّز المعتدل عن سواه. حسب الفهم الأمريكيّ، تطبيق الشريعة أو عدم تطبيقها؛ إذ إنّ عدم تطبيق الشريعة الإسلامية هي مؤشر على وجود الإسلام المعتدل.

2- معالجة معتقدات في الفهم الأمريكي. وأفكار الإسلام لتنسجم بالكامل مع الفكر الليبراليّ الغربيّ؛ وهنا وعلى سبيل المثال ذكرت التقارير الأمريكية عناوين من أبرزها: الإسلام المعتدل هو الذي يعتقد بالديمقراطيّة الغربيّة. وهو الذي يعتقد بعدم ضرورة حاكميّة الإسلام.

3- الدخول إلى تفاصيل أكثر حساسيّة تتعلّق بالدور والوظيفة الإسلاميّة؛ والمقصود بالتحديد دور “المسجد”، إذ يُعتبر المسجد المكان الأساس الذي ينطلق ويشعّ منه الإسلام إلى عقول الناس؛ لذلك، وفي الفهم الأمريكي. لا بدّ من تغيير وظيفة المسجد ليكون ساحة للمعارضة. ولم يكتف الأمريكيّ بذلك. بل أبدى رأيه في الإسلام(3)، فالقرآن، من وجهة نظره، كتابُ تاريخ لا يصلح للقرن الحادي والعشرين، وهو كتاب غامض، ونظام العقوبات في الإسلام نظام قاسٍ جدّاً غير حضاريّ…

* ملامح الاستهداف

بالقراءة السريعة للاستهدافات الدينيّة الموجودة. وبالرجوع إلى الأدوات والمشاريع والتي ذكرنا بعضاً منها. يتبيّن أن المُستهدَف:


1- ضرب صورة القدوة والرمز:

يعمل المعتدي وبكافّة الأساليب والأدوات على إسقاط صورة القدوة والرمز في الدين والمعتقد الإسلاميّ؛ وذلك بالتصويب على شخصيّة الوليّ الفقيه، والمرجع. وعالم الدين وشخصية المتديّن. يحاول المعتدي زرع صورة عن القدوة والرمز في اللاوعي الشعبيّ. ويسوق العديد من الافتراءات التي تتعلق بسلوكه ومعتقده؛ ما يؤدي إلى إسقاطه كنموذج. وتبرز أهميّة هذه القضية بالأخص في ما يتعلق بالوليّ، حيث إنّ المعتدي يحاول التصويب على مفهوم القيادة وشخص القائد؛ باعتبار أنّ سقوط القائد يؤدي إلى سقوط المنظومة بأكملها.

من هنا، نجد الإمام الخامنئي دام ظله يقول: “الهدف الرئيس للأعداء في هذه المرحلة من الحرب الناعمة، هو التحضير لتفريغ النظام من عناصر ومكامن قوّته الداخلية”(4). ويشكّل شخص الولي المصداق الأبرز لتفريغ النظام من عناصر القوّة الداخليّة. ويقول دام ظله أيضاً: “إن هدف حرب العدو الناعمة اليوم… جعل الناس غير مبالين بالمُثل العليا”(5). طبعاً يتجرّأ المُعتدي على القدوة والرمز متسلّحاً بادّعاءات حريّة التعبير، والنقاش الهادئ والشفّاف، والواقع غير ذلك؛ إذ إنّ أعماله لا تتجاوز الاتهام وترويج الإشاعات والافتراءات…

2- التشكيك في النصوص الدينية:

عندما نطّلع على البرامج والدراسات، تظهر أمامنا مجموعة من الادّعاءات التي تحكي التشكيك في النص الدينيّ. ولعلّنا في الآونة الأخيرة عايشنا الجدل القائم حول وجوب الحجاب في الإسلام وحُرمة الخمر. أو رأي الإسلام في الشذوذ، وإلى ما هنالك من أفكار وتعاليم دينيّة نصّ عليها الدين وأردفها بالدليل القاطع بما لا يترك مجالاً للشكّ والترديد فيها. ومع ذلك، انبرى بعض المعتدين ليقدّم نصوصاً وتأويلات للأمور المتقدّمة تخالف النص الصريح.

3- حَصْر المشكلة في الدين:

يحاول المعتدي إرجاع المشاكل الاجتماعية والسلوكيّة إلى الدين، ويدَّعي قصوره عن الرقيّ بهذه السلوكيات. وهنا يتمّ تصوير الدين بأنّه يعجز عن حلّ هذه المشاكل. ومن أبرز هذه العناوين الإشكاليّة: زواج القاصرات، الثأر والخلافات العائليّة، التخلّف، الحقوق على اختلافها بدءاً بحقوق المرأة والطفل، والحضانة وإلى ما هنالك من عناوين يتمّ ربطها بالدين وتعاليمه، متجنّبين بذلك البحث الدقيق في المنظومة الدينيّة، بل يعتمدون كل الاعتماد على تجارب خاصّة لا تحكي عن الممارسة الدينيّة.

هذا غيض من فيض الاستهدافات الكثيرة، لكن ما هو ماثل للعيان أنّ التركيز على تحطيم صورة الإسلام وتعاليمه تعدّى الشفافيّة ليصبح برنامجاً مخططاً له بشكل مسبق(6)، يصبّ في خدمة المقولة الأمريكيّة: “يجب أن نجعل الآخرين يريدون ما نريد”. وهنا لا بد من وقفة تأمّل واقعيّة حول أهداف الأعداء، وحول قيَمنا وتعاليمنا التي كان الهدف الأساس منها إخراج الفرد والمجتمع من الظلمات إلى النور. كما لا بدّ من الوقوف طويلاً أمام المسؤوليّات التي تتطلَّب وعياً لما يخطط له الآخر، وعملاً دؤوباً للخروج من المؤامرات الغربيّة ضدّ الإسلام. وفي هذا الإطار نستحضر التأكيد الدائم للإمام الخامنئي دام ظله على المفاهيم المحوريّة، ألا وهي: البصيرة واليقظة والتخطيط والعمل… الكفيلة بالحفاظ على الهويّة الذاتيّة.

1.من جملة هذه الدراسات: بناء شبكات إسلامية معتدلة، الإسلام المدني الديمقراطي، كشف مستقبل الحرب الطويلة…
2.مركز دراسات أمريكي يُعنى بالدراسات الاستراتيجية، تأسس عام 1948م.
3.دراسة الإسلام المدني الديمقراطي الصادرة عن مركز راند عام 2004م، نقلاً عن الحرب الناعمة الأهداف وسبل المواجهة، الشيخ كاظم الصالحي، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، ص 40.
4.من كلام له دام ظله بتاريخ 26/5/2016م.
5.من كلام له دام ظله بتاريخ 2/10/2016م.
6.راجع: دراسة “كشف مستقبل الحرب الطويلة” الصادرة عن مركز راند عام 2006م.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل