مشاعر الحسد من المشاعر الأساسية التي نختبرها جميعاً في حياتنا، حتى الناس الأكثر حظاً قد يقفون أمام رجل فقير ويحسدونه على ابتسامة من القلب هم بحاجة لها، وهو يحسدهم على الراحة والرفاهية.
ما هو الحسد؟
في البداية يجب أن نقترب أكثر من فهم فكرة الحسد والتمييز بين المفاهيم المتشابهة، وهنا يمكن النظر في سؤال جوهري؛ ما الفرق بين الغيرة والحسد؟
على الرغم من اعتبار الغيرة والحسد وجهان لعملة واحدة إلى أن علماء النفس يميزون بشكل واضح بين الغيرة والحسد، فالغيرة هي المشاعر التي تنتابنا عندما نشعر بالتهديد بفقدان شيء ما أو شخص ما بسبب شخص آخر، كالغيرة الزوجية مثلاً، وأما الحسد فهو رغبتنا بالحصول على أشياء أو مميزات ليست لدينا وشعورنا بالحسرة لأن غيرنا يمتلكها.
بكلمات أخرى، فإن الغيرة من وجهة نظر علم النفس تحتاج إلى وجود ثلاثة أشخاص، أحدهم يشعر بالتهديد، كما يحصل عندما يفضل الأهل أحد أبنائهم على الآخر أو عندما تفضل الإدارة موظفاً على الآخر أو عندما يشعر الزوج أن رجلاً آخر قد يكون مثيراً لإعجاب زوجته.
وأما الحسد فهو بين شخصين فقط، أحدهما يرغب بما لدى الآخر من سمات أو أملاك أو حتى علاقات، لكن مشاعر الحسد غالباً ما ترتبط بشعور النقص فيما لا يعد الشعور بالنقص لازماً للغيرة، ذلك أن الحسد يتعلق بنظرتنا لذاتنا ونظرتنا للآخرين، وأما الغيرة فتتعلق بالمنافسة.
كما أن هناك علاقة وثيقة بين الحسد والشماتة، فمعادلة الشماتة هي ذاتها معادلة الحسد لكن مقلوبة، الحسد أن تتمنى الحصول على ما لدى الغير، الشماتة أن تكون سعيداً بفقدان الآخرين لما يميزهم ولما كنت ترغب أن يكون عندك.
وبطبيعة الحال فإن مشاعر الغيرة والحسد تتداخل في كثير من الأحيان، فنحن نحسد الناس لأننا نخشى تفوقهم علينا في المواجهة، بمعنى أن الغيرة من الدوافع الأساسية التي تجعلنا ننظر إلى الآخرين بعين الحسد، لنتعرف أكثر على أسباب الحسد.
لماذا نحسد الناس على حياتهم؟
ذكرنا أن مشاعر الحسد مثلها مثل مشاعر الغيرة تعتبر مشاعر أساسية نختبرها جميعاً بدرجات متفاوتة وتنمو معنا منذ الطفولة المبكرة، لكن التربية والظروف تتحكم بكيفية تعاملنا مع هذه المشاعر وكيفية تأثيرها على سلوكنا وحياتنا.
ومما لا شك فيه أن مشاعر الحسد تطورت بشكل كبير مع تطور الحياة، فدخول وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا كان كفيلاً بخلق نوع جديد من أنواع مشاعر الحسد نتحدث عنه في محله.
ومن خلال تحليل أكثر المواقف التي تجعلنا نشعر بالحسد يمكن أن ندرك أسباب الحسد:
الملاءة المالية والرفاهية: تعتبر الفروق بالدخل والإنفاق والملاءة المالية من أكثر دوافع الحسد قوة، قد يعتقد البعض أن الثروة تقلل مشاعر الحسد، لكن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، فحتى الأثرياء يشعرون بالحسد أحياناً تجاه فاحشي الثراء، وحالة الحسد على الثروة تزداد عندما يكون المحسود قد صنع ثروته بعد أن كان يعاني من الفقر.
النجاح: لا يشترط أن تكون فاشلاً في حياتك لتحسد الآخرين على نجاحهم، لكن الأصدقاء أو الأقارب الذين يحققون قدراً كبيراً من النجاح في زمن قصير أو بدعم من الحظ والصدفة يتركون لدينا مشاعر عميقة من الحسد والغيرة، ويمكن القول أيضاً أن الحاسد غالباً ما ينظر إلى النجاح كصدفة أو حظ لا أكثر، فيحسد الآخرين على حظوظهم.
الشكل والمظهر: ومن أبرز أشكال الحسد أيضاً الحسد على الشكل والمظهر، سواء من حيث التكوين البدني أو من حيث قدرة شخص ما على الظهور بمظهر جميل من خلال ثيابه أو من خلال المكياج، أو حتى إجراء عمليات التجميل.
والنمط الآخر من الحسد على المظهر والشكل هو حسد الأزواج على زوجاتهم أو العكس، بل أن بعض الأمهات يحسدن غيرهن على مظهر أبنائهن وشكلهم!
السعادة الأسرية والاستقرار: ربما لا تعرفين السيدة التي تحسدينها على علاقتها بزوجها، لكن مجرد أنها تتحدث عن سعادتها الأسرية يجعلكِ تشعرين بالحسد، وربما لا تعرف حقيقةً كيف يتعامل أبناء صديقك معه، لكنك تشعر بالغيرة والحسد عندما تراه يتفاخر بهم أمام الآخرين.
العلاقات الاجتماعية: من أبرز دوافع الحسد أيضاً أن نشعر بقدرة بعض الأشخاص على إنشاء علاقات اجتماعية ناجحة وفعالة أكثر مما نفعل، وقد يكون الحسد في هذه الحالة على نوعية العلاقات أو على الأثر الذي يتركه الشخص لدى الآخرين.
وسائل التواصل الاجتماعي: يعتقد الباحثون أن وسائل التواصل الاجتماعي تخلق مشاعر قوية جداً من الحسد لدى معظمنا، وذلك أن كل مستخدم يختار اللحظات المميزة والأكثر أهمية في حياته ليشاركها عبر وسائل التواصل، بالتالي نحن نرى الجانب المشرق من حياته ونعتقد أن حياته كلها تسير بهذا الشكل!
حتى الأشخاص الذين نعرفهم بشكل شخصي، قد نشعر بالحسد عندما يشاركون صورة ما فيحصلون على تفاعل أكبر، وقد نشعر بالحسد عندما يختلقون كذبة ما فيصدقها الناس!
علاج الحسد والتخلص منه
كيف يمكن أن أتخلص من الحسد وأحمي نفسي والآخرين من مشاعر الحسد؟
نادراً ما يُّنظر إلى الحسد كاضطراب نفسي بحاجة إلى علاج حقيقي، وعادة ما يستطيع الحاسد التعامل مع مشاعره ذاتياً أو بالحصول على استشارة من معالج نفسي، وعادة ما يعتمد العلاج على إعادة تكوين بعض المفاهيم التي تتعلق بالحظ والفرص، إضافة إلى إعادة النظر بمشاعر الشخص الحسود تجاه نفسه وتجاه الآخرين، وتجيير مشاعر الحسد إلى مشاعر تحفيز، ويمكن الحديث عن الخطوات التالية في سبيل تخطي مشاعر الحسد:
1- فكر مرتين: عندما تهاجمك مشاعر الحسد حاول أن تكبحها فوراً، وأعد النظر إلى الشخص الذي تحسده، وفكر كيف وصل
إلى ما هو فيه من سعادة أو رفاهية.
2- تخلص من مقارنة نفسك بالآخرين: في كل مرة يهاجمك فيها الحسد تذكر أنَّك وجود فريد بحد ذاته، لك مميزات ليست لأحد،
وعندك عيوب خاصة بك، واعلم أن مقارنة نفسك بالآخرين لا معنى لها، لأنك تقارن ما تراه ظاهراً عند الآخرين بما هو في باطنك، ولو امتلكت القدرة على الدخول إلى الأفئدة والعقول لما حسدت أحد، فبواطن الناس ليست كما ترى.
3- تمنى الأفضل للآخرين ولنفسك: عندما تشعر بالحسد حاول أن تتوقف لحظة وتتمنى الخير للآخرين، تمنى السعادة للآخرين وتمنى أن تحصل على السعادة التي تستحقها بغض النظر عنهم، في دراسة حديثة وجد الباحثون أنك عندما تمشي بين الناس وأنت تتمنى لهم السعادة سيساهم هذا في تعزيز سعادتك.
4- ضع أهدافاً حقيقية: وجود أهداف حقيقية في حياتك مع وجود مخططات واقعية لتحقيق هذه الأهداف سيجعلك أكثر تصالحاً مع سعادة الآخرين وأبعد عن مشاعر الحسد، لكن تذكر أن أهدافك يجب أن تكون حقيقية وواقعية.
5- ابحث عن الملهمين: من أسرع الطرق للتخلص من الحسد هو استبدال هذه المشاعر السلبية بمشاعر التحفيز، فبدلاً من الوقوف على الأطلال وندب الحظوظ العاثرة أو تمني زوال النعمة عن الغير، ابحث عن الشخصيات الملهمة لتتعلم منهم معنى النجاح والإصرار، لا تحسد بل ابحث عن الإلهام.
6- توقف عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعية: إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي هي السبب الذي يجعلك تشعر بالحسد، قد يكون أخذ استراحة منها حلاً جيداً، على الأقل ريثما تعيد ترتيب أوراقك.
7- اطلب مساعدة: عندما تجد نفسك عاجزاً عن مواجهة مشاعر الحسد من الأفضل أن تطلب المساعدة، اطلب المساعدة من الأهل أو الأصدقاء.
أخيراً.. قد يصح القول إن القليل من الحسد مع القليل من الغيرة والكثير من الإصرار والعمل واحدة من أفضل وصفات النجاح، لكن مشاعر الحسد الغالبة كثيراً ما تعطل تقدمنا وتعرقل مخططات الحياة وتجعلنا نقف وننظر إلى الآخرين وكأننا زوار في هذه الحياة نتفرج ولا نعمل، نتمنى أن يتمكن الجميع من استبدال مشاعر الحسد بمشاعر المحبة والرغبة في التقدم.
*عامر العبود