Search
Close this search box.

الاسْتِعدَادُ النَّفسِي لِضيَافَةِ اللهِ

الاسْتِعدَادُ النَّفسِي لِضيَافَةِ اللهِ

الشيخ الحسين أحمد كريمو

الحياة تمضي بسرعة هائلة، ونحن نسير إلى النور والضِّياء حيث اقترب الوعدُّ الحقُّ بحلول وقت الضيافة الإلهية لهذه الأمة المباركة المرحومة برحمة الله الواسعة، التي شملت العالمين كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107)

وهذا الشهر العظيم والآتي الكريم هو ليس ككل الشهور بل هو سيد الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أكرم الليالي، وساعاته، أشرف الساعات، وكان خاصَّاً بالأنبياء والمرسلين ولكن الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه أعطاه هبةً وهديةً لهذه الأمة خاصَّة دون الأمم السابقة، ولا عجب من أن يكون صومها كصوم الأنبياء، وعلماءها كعلماء بني إسرائيل.

شهر الضيافة الرَّبانية

لا أدري فعلاً أيهما أكرم أن نكون نحن الضيوف على الشهر، أم الشهر الكريم ضيف علينا؟

وعلى كل حال فالضيافة متبادلة ولكن بلا شك ولا ريب هو أن الكرامة كل الكرامة أن نكون ضيوفاً للرحمن في هذا الشهر ولذا علينا أن نكرمه بالطاعات وأنواع القربات إلى الرب سبحانه الذي يستضيفنا على مائدته النورانية العامرة بكل أنواع الخيرات والبركات، وكما قال رسولنا الأكرم في خطبته الشريفة: (شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اَللَّهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اَللَّهِ)، فمن الآداب الإيمانية أن يُراعي الضَّيف حُرمة المضيف الكريم.

شهر النفوس الصَّافية

ولذا علينا أن نتهيَّأ نفسياً وروحياً، ومعنوياً لاستقبال هذا الشهر الكريم وننفتح عليه من بدايته لا أن نكون كغيرنا ممَّن ينتظره ليملأه بأنواع الطعام والسَّهرات والسَّفرات والترفيه وكأنه موسماً للأكل والشرب والملذات الدنيوية، وهذا كله في الحقيقة تحصيل حاصل لأن نساءنا وأمهاتنا وأخواتنا المؤمنات لا ولن يقصِّرن في هذا المجال، وأجرهن على الله تعالى في جهادهن هذا، ولكن هذا ليس هدفاً للمؤمنين الذين يطلبون رضا الله الأكبر من كل شيء وعتق رقابهم من النار في آخر هذا الشهر الكريم.

فمن خصائص هذا الشهر الكريم أن الله سبحانه وتعالى يكفُّ عنا كيد الشياطين ويُخفف عنا وزرهم ووساوسهم لأن (اَلشَّيَاطِينَ مَغْلُولَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لاَ يُسَلِّطَهَا عَلَيْكُمْ)، أي ما يفعله الإنسان يكون بمحض إرادته، وينبع من نفسه الأمارة بالسوء، وعليه أن يُروِّضها بالطاعات والصوم من أعظم برامج الرِّياضات النفسية لكبح جماح النفس الأمارة.

شهر الأنس بالقرآن

كما أن من خصائص هذه الضيافة الرَّبانية وآدابها أن ينشغل الضيف بتلاوة كتاب ربه بتدبُّر وتأمُّل ورويَّة بحيث لا يكون همّه آخر السورة الشريفة، أو ختمة القرآن الكريم كما يسعى الكثيرون منا، بل هو موسم الرحمن وعلينا أن نجعله موسماً للأنس بهذه الصحيفة النورانية المباركة، كما ينصح سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله العالي) في كلماته الرمضانية ومجالسه القرآنية فيه حيث يقول: (البعض يصوم هذا الشهر الفضيل ويستفيد من هذه الضيافة الإلهية، لكنهم وإضافة الى ما يجنونه من بركات هذا الصيام، فإنهم يغذّون أنفسهم بتلاوة القرآن الكريم بتدبُّر وتأمُّل في أيام وليالي هذا الشَّهر المبارك؛ لِمَا تحمله هذه التلاوة في حالة الصيام والانقطاع إلى الله والأنس بالقرآن ومخاطبة الحق تعالى في ليالي هذا الشهر الفضيل من لذّة تفوق أي لذة أخرى يمكن أن يتذوقها الإنسان من تلاوة القرآن في الأيام والليالي العادية).  

شهر الدعاء والإستغفار

كما يجب ألا يغفل الصائم القائم في هذا الموسم الرَّباني والضيافة الرَّحمانية عن مسألة هي في غاية الأهمية وهي أن يتحدَّث مع الله سبحانه كثيراً في هذا الشهر، وأذكر قولاً حفظته منذ الصِّبا يقول: (إذا أردتَ أن يتحدَّث الله معك فاقرأ القرآن، وأما إذا أردتَ أنتَ أن تتحدَّثَ وتتكلمَ مع الله تعالى فعليك بالدعاء)، وهذا حقيقة وواقعاً من أعظم نعم الله على المؤمن بأن سمح له وأنطق به لسانه أن يسأله ويدعوه كلما احتاج أو اشتاق إلى ذلك.

ولكن هناك شرط أساسي في هذا كله فكما أن شرط قراءة القرآن وسماع كلام الله تعالى الطهارة، وكذلك من شروط الدعاء الطهارة المعنوية والنفسية والروحية ولا يكون ذلك إلا بالاستغفار، لأن هذا الذِّكر الشريف كالمطهِّرات والصابون الذي يطهِّر ويعقِّم النفوس والأرواح استعداداً للدعاء وهو من أعظم وأهم أسباب الإستجابة كما يقول العلماء.

فهل نحن مستعدون روحياً ونفسياً للضيافة الإلهية أيها المؤمنون؟

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل