Search
Close this search box.

الثقة من أهم من عوامل التقدم في أي مجتمع

لا يختلف إثنان على أن الثقة من أهم من عوامل التقدم في أي مجتمع، وكلما توفَّرت بنِسَبٍ أكثر، كانت فرص التطور والتقدم أكثر، فالثقة بالرئيس والقائد، والثقة بالمؤسسات والشركات والأُطر التنظيمية والجمعيات، كل ذلك شرط ضروري لتقدم المجتمع ونموه وتطوره واستقراره.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “شَرُّ النّاسِ مَنْ لا يَثِقُ بِأَحَدٍ لِسُوء ظَنِّه، وَلا يَثقُ به أَحدٌ لِسُوء فِعْله”.
الإنسان كائن اجتماعي يألَفُ الناسَ ويألفونَه، يحتاج إليهم ويحتاجون إليه، يخدمهم ويخدمونه، يعينهم ويعينونه، ومن شِبْهِ المستحيل أن ينعزل عنهم أو ينعزلوا عن بعضهم كُلّياً، إنه يولد من أبوين ويكون له أخوة وأجداد وأرحام وأقارب، والعلاقة مع هؤلاء اضطرارية لا يختارها ولا يمكنه أن يقطع عُروتها، ثم إنه يتزوج في الأعم الأغلب والزواج يتطلب منه أن يُنشئ علاقة أخرى، ثم إن وُلِد له فتلك علاقة جديدة، وهكذا الحال مع الناس بعيدين كانوا أم قريبين فهو مُضطر للعلاقة معهم ما دام يقيم بين ظهرانيهم  لكثرة ما يحتاج إليهم، وذلك يوجِب عليه وعليهم جميعاً تمتين أواصر العلاقة فيما بينهم وتعميق الروابط الإنسانية والأُسَرية والعائلة والاجتماعية.
ومِمّا لا شَكَّ فيه أن العلاقات الاجتماعية تقوم على عدة من الأسس كالزوجية، والقرابة، والأخوة، والصداقة، والجيرة، والمواطَنة، والمصالح المشتركة، وتبادل المنافع، وهذه جميعاً تقوم على أساسين اثنين بل لا تستقيم إلا إذا قامت عليهما وهما المَوَدَّة والمَحبة والثقة. والثقة أهم من المحبة، لأن المودة قد لا تكون مطلوبة في العلاقة مع البعيدين، ليست مطلوب في العلاقات الإنسانية العامة، أو العلاقات القائمة على أساس المصالح والمنافع المشتركة، ولكن الثقة مطلوبة في كل العلاقات فإذا انعدمت تقطَّعت أواصر العلاقة مهما كانت قوية، ومهما كانت الحاجة إليها ماسَّة، فالثقة تتقدم في الأهمية على المَودة والحب، لأنه إذا انعدمت الثقة ذهبت المَوَدَّة والمَحبَّة فهي الأساس لهما والداعي إليهما. فليس في إمكانك دائماً أن تثق بمن تحب، لكنك إن وثقت بأحد دعاك ذلك إلى أن تحبه.

فلا يختلف اثنان، على أن الثقة تلعب دوراً حاسماً في التأسيس للعلاقة بين الأفراد، كما في تمتين وتعميق الروابط بينهم، وهي الأساس الذي تُبنى عليه جميع أنواع العلاقات، وعندما تكون الثقة موجودة بين أطراف العلاقة الواحدة فإنهم يشعرون بالطمأنينة والأمان، والتقدير، والاحترام، وتبلُغُ الثقة بالأطراف مرحلة أن يعتمدوا على بعضهم، ويبوحوا لهم بأسرارهم، ويُظهرون لهم كوامنهم، ويعَبِّرون عن مشاعرهم دون خوف، ويشاركونهم أفكارهم، ويتعاملون معهم دون ريبة وقلق.

كما لا يختلف اثنان على أن الثقة من أهم من عوامل التقدم في أي مجتمع، وكلما توفَّرت بنِسَبٍ أكثر، كانت فرص التطور والتقدم أكثر، فالثقة بالرئيس والقائد، والثقة بالمسؤول والموظفين والعمال، والثقة بالمؤسسات والشركات والأُطر التنظيمية والجمعيات، والثقة بالأشخاص المؤثرين، كل ذلك شرط ضروري لتقدم المجتمع ونموه وتطوره واستقراره.
ولا يخفى عليك قارئي الكريم أن كل بني آدم خَطَّاء (إلا من عصَمهم الله) يكون منهم الزَّلَلُ، والخطأ في التقدير، والخطأ في الفهم والحُكم، والتَّلَقّي، والسَّمع، والرؤية. ويكون منهم التسَرُّع والعَجَلة في التصديق، ويكون منهم سوء ظَنٍّ، وسوى ذلك من الأخطاء ذات العلاقة بالغير، وذلك يُسيء إلى العلاقة بين الناس، ويعدم الثقة بينهم، وقد يصل بهم الأمر إلى القطيعة إن لم يُحسنوا الظَّنَّ ببعضهم، أو يتفهموا ما كان منهم. أو يبادروا إلى تصحيح ما يجب تصحيحه.

درئاً لما تقدم حثَّتْ الشريعة الإسلامية الغَرَّاء على حُسنِ الظَّنِّ، بل أوجَبته، كما حثَّت على البحث عن عُذرٍ للطرف الآخر، كي تبقى الثقة بين الطرفين، فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: “ضَعْ أمرَ أخيكَ على‏ أحسَنِهِ حتّى‏ يَأتِيَكَ مِنهُ ما يَغلِبُكَ، ولا تَظُنَّنَّ بكَلِمَةٍ خَرَجَت مِن أخيكَ سُوءاً وأنتَ تَجِدُ لَها في الخَيرِ مَحمِلاً”. 

إن حُسْنَ الظَّنِّ فضلاً عن أنه يبقي على الثقة بين الأفراد، ويُريح المَظنون به، بل يُريح الشخص الذي أحسَنَ الظَّنَّ بأخيه، فقد جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع): “حُسنُ الظَّنِّ راحَةُ القَلبِ وسَلامةُ الدِّينِ” 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الشؤون القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل