Search
Close this search box.

القدس: من اليبوسيّين إلى صلاة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2)

القدس: من اليبوسيّين إلى صلاة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2)

الشيخ موسى منصور

ارتبط اسم القدس بعدد كبير من الأنبياء، من يعقوب عليه السلام، مروراً بداوود وسليمان وموسى ويحيى وعيسى عليهم السلام وغيرهم الكثير، وصولاً إلى النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.

بعد أن تحدّثنا في العدد السابق عن تاريخ القدس وأسمائها، نتابع في هذا العدد الحديث عن مكانتها الدينيّة تاريخياً وخصوصيّاتها.

* مكانتها عند الأديان الإبراهيميّة
تحظى القدس بمكانة عظمى لدى الديانات الإبراهيمية الثلاثة: اليهودية والنصرانية والإسلامية. وإنّ من يلقي نظرة على النصوص الدينيّة والكتب السماوية يكتشف المكانة الاستثنائيّة لهذه المدينة في الوجدان الديني؛ فهي عند اليهود مقدسة من زمن يعقوب عليه السلام الذي حمله يوسف عليه السلام بعد موته ودفنه فيها(1)، وما زاد من قداستها عندهم أنها كانت عاصمة إسرائيل أيام داوود عليه السلام، وفيها الهيكل الذي بناه سليمان عليه السلام، وفيها حائط المبكى، وهو الجزء المتبقي من الهيكل بعد هدمه أكثر من مرة. والقدس هي جزء من أرض الميعاد التي تمتدّ من النيل إلى الفرات؛ لذا يحاولون منذ احتلال فلسطين جعلها عاصمة لهم. وفي العهد القديم نلحظ النزعة الاستعلائيّة لليهود، إذ يحاولون منذ القدم التفرّد بمدينة القدس: «وأمّا اليبوسيّون الساكنون في أورشليم، فلم يقدر بنو يهوذا على طردهم، فسكن اليبوسيّون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم»(2).

أما عند النصارى ففيها كنيسة القيامة التي بنيت فوق الجلجثة، وهي مكان الصخرة التي يُعتقد أنّ المسيح صُلب عليها، وقد سُمّيت بهذا الاسم نسبة إلى قيامة المسيح من بين الأموات في اليوم الثالث من الأحداث التي أدّت إلى موته على الصليب، كما يعتقد المسيحيّون.

أما عند المسلمين، فنلاحظ أنّ لها الكثير من الخصائص والفضائل، وترتبط بالعديد من المفاصل والأحداث الإسلاميّة المهمّة، التي ترتبط بمصير آخر الزمان. ويزيد من أهميّتها عند المسلمين أنّها أولى القبلتين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيها المسجد الأقصى، وأنّها أرض الأنبياء عليهم السلام.

* خصوصيّاتها
1. ذُكرت أرض المقدِس في القرآن الكريم إشارةً وتصريحاً: فقد فُسّرت بها الكثير من الآيات(3)، منها على سبيل المثال:

– الزيتون: عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «واختار من البلدان أربعة، فقال عزّ وجلّ:
﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ* وَطُورِ سِينِينَ* وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ (التين: 1-3)، فالتين المدينة والزيتون بيت المقدس»(4).

– الأرض المقدسة: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ﴾ (المائدة: 21) هي أرض بيت المقدس لكونها قرار الأنبياء ومسكن المؤمنين(5).

– ربوة ذات قرار ومعين: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ (المؤمنون: 50)، وقد فسّرها بعض المفسرين بأنّها بيت المقدس(6).

2. فيها قصر من قصور الجنة: عن أمير المؤمنين عليه السلام: «أربعة من قصور الجنّة في الدنيا: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومسجد بيت المقدس، ومسجد الكوفة»(7).

3. فيها أحد المساجد الأربعة المخصوصة: عن الإمام الباقر عليه السلام لأبي حمزة الثمالي: «المساجد الأربعة: المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومسجد بيت المقدس، ومسجد الكوفة. يا أبا حمزة الفريضة فيها تعدل حجة، والنافلة تعدل عمرة»(8).

4. أرض الأنبياء ومحرابهم: عن الإمام الكاظم عليه السلام في حديث: «تِلْكَ -أي بيت المقدس- مَحَارِيبُ الأَنْبِيَاءِ، وإِنَّمَا كَانَ يُقَالُ لَهَا حَظِيرَةُ الْمَحَارِيبِ…»(9).

5. أرض اختارها الله تعالى: كما في الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد اختار الله تعالى من البقاع أربعاً: «مكة، والمدينة، وبيت المقدس، وفار التنور بالكوفة»(10).

* القدس في آخر الزمان
إنّ للقدس -بحسب الروايات الغيبيّة- أهميّة بالغة ودوراً محوريّاً، سواء في التمهيد لدولة العدل المنتظرة أو بعد الظهور المبارك، وهذا ما نلحظه من خلال العناوين الآتية:

1. القدس محورٌ رئيس لحركة الجهاد في زمن التمهيد للظهور: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تزال طائفة من أمّتي على الدين ظاهرين، لعدوّهم قاهرين، لا يضرّهم من خالفهم، ولا ما أصابهم من لأواء –مشقّة- حتّى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس»(11).

2. مكّة والقدس محورا عصر الظهور: ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: «أوّل من يبايع القائم عليه السلام (جبرائيل)، ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه، ثمّ يضع رجلاً على بيت الله الحرام ورجلاً على بيت المقدس، ثمّ ينادي بصوت طلق تسمعه الخلائق: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه)»(12).

3. فيها يصلّي المسيح عليه السلام خلف المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف: الأخبار الدالّة على أنّ عيسى عليه السلام ينزل ويصلّي خلف القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف كثيرة، وقد أوردتها الخاصّة والعامّة بطرق مختلفة(13). وفي رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام تفيد أنّ الصلاة ستكون في القدس: «ويدخل المهديّ عليه السلام بيت المقدس… فيتقدّم المهديّ عليه السلام، فيصلّي بالناس، ويصلّي عيسى عليه السلام خلفه، ويبايعه»(14).

هذه هي القدس الأسيرة، بتوقيتها سيدخل المؤمنون من بوّابة فاطمة إلى الأرض المغتصبة كخيوط الشمس، لاستعادة ما سلبه تحالف قوى الشرّ والظلام، وكلّهم أمل أن يصلّوا في فِناء مسجدها بعد أن تصدح مآذنها بالنداء. ذات نصر سيتناثر الندى من مساكب الأقحوان ليكتب على مداخل الوطن المسبيّ من ناحية الشمال: من هنا سيعبرون، كطوفان من نور يبدّد بقع الليل ويفضح قبح القاسية قلوبهم، وسيرحلون، فتعود القدس كما كانت سيّدة المدائن، حرّة، لا قيد يؤلمها ولا غدر الزمان.

1- يراجع: وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج4، ص164.
2- الكتاب المقدّس (العهد القديم)، الكنيسة، ص 363.
3- يراجع: معجم البلدان، الحموي، ج5، ص166-167.
4- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 225.
5- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 13، ص 168. وقيل: الطور وما حوله، وقيل: دمشق وفلسطين وبعض الأردن ، وقيل: الشام.
6- روضة الواعظين، النيسابوري، ص 408. وقد اختلفوا في تحديد هذا المكان، وقيل صحراء القدس. يراجع: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 10، ص 461.
7- وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج3، ص545-546.
8- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص229.
9- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 482.
10- مستدرك الوسائل، الشيخ النوري، ج 3، ص 431.
11- مسند أحمد، مصدر سابق، ج 5، ص 269.
12- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص671.
13- بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 14، ص 349.
14- معجم أحاديث الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، الشيخ علي الكوراني العاملي، ج 3، ص 122.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل