Search
Close this search box.

عقبات في طريق تكاملنا خلال شهر رمضان

عقبات في طريق تكاملنا خلال شهر رمضان

على الإنسان المؤمن خصوصاً أن يلتفت إلى أنه رغم أنّ الله أعاننا في شهر رمضان لنتزود منه للآخرة ما ينجينا ومن منازل القرب منه والأمن يدنينا، وبالرغم من تصفيد الشياطين وغلّها وحبسها عن الوسوسة في الصدور، إلا أنّ الواقع يشهد أنه ثمة عقبات تعترض طريق الإنسان نحو الكمال المنشود، وتعوق خطاه في مسالك التقدم والتطور، بل تعرقل مسيره وربما تشلُّ حركته ولا إخالُ أننا نحتاج إلى كثير جهد وتأمل لنرى ذلك في واقعنا وحياتنا.

فما هي أهمُّ الأمراض الموهنة لعزمنا، والمعوقة لخطونا وكيف يمكن علاجها؟

وعلى سبيل الإختصار نعرض لبعض هذه العقبات فيما يلي:

1- الإستسلام لليأس:
بمعنى أن يفقد الإنسان الأمل بإمكانية التغيُّر والتحسُّن، فيشعر بأنه مقهور أمام ضعف إرادته، وعيوب نفسه، وما يواجهه من عقبات ومشاقَّ في مسيره نحو التكامل، ذلك أنه من الطبيعي ولكون الإنسان في ظرف هو الدنيا وما يجاهده هو النفس وميولها والشياطين ووسوساتها أن يكون سلاح الشيطان الأفعل هو تيئيس الإنسان من إمكانية النجاح في تربية وتزكية النفس، وسلاحه في ذلك أمران ميل النفس إلى الراحة وأنسها بما تعوَّدت عليه، وكذلك الآلام والمصاعب التي يصادفها الإنسان في طريق تكامله والتي أخبرنا الله مسبَّقاً عنها بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾[1].

وهذا من الإعداد النفسي للإنسان باخباره عن صعوبة الولوج إلى ميدان التغيير على أنه ثمة مساعدات أخرى منها غلّ الشياطين في الشهر الشريف، أضف إلى الترغيب فيه خصوصاً في شهر رمضان من خلال مضاعفة الأجر فيه، “إنّ شهر رمضان شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات ويرفع فيه الدرجات”[2].

وثانياً: من خلال تسهيل وتهوين مشاقِّ العبادة وخصوصاً الصوم في شهر رمضان حيث قال عن مدة الصوم إنها: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾[3] ليلتفت من يرى المشقَّة والصعوبة في عبادات الشهر الشريف أن عليه أن يذهب للمقايسة بين هذه المشاقِّ والصعوبات وبين قِصَرِ المدة من جهة وعظيم الأثر والجوائز المترتبة عليه، فالإلتفات إلى هذه المقايسة يهوِّن المشاقَّ والصعوبات ويوجد دافعاً للعمل، فضلاً عن أنّ مضاعفة آثار الأعمال ونتائجها تُخرِجُ الإنسان من اليأس في إمكان تدارك التقصير ومعالجة ما فرَّط به واقترفه من آثام، فيغدو الشهر باباً يحصِّل الإنسان فيه صكَّ أمان من عواقب ما أسلف من آثام لكونه شهر التوبة، ولكونه تدريباً على تقوية الإرادة. فشهر رمضان يوفِّر الشعور لدى الإنسان بإمكانية التغيير ويشحذ الهمَّة للعمل فلا يتراجع أمام عقبات ومشاقِّ طريق التقدُّم والتطوُّر.

2ـ الغرور:
إنّ الإنسان قد يكون متخلفاً وفي زمرة المتخلفين، ويبقى كذلك ردحاً طويلاً من الزمن مأخوذاً بكل ما يلقيه في جُبِّ الغفلة ويُعمي بصيرته ويعطِّل قواه العاقلة عن رؤية حقيقة واقعه، بل قد يحسب نفسه في الطريق الصحيح فلا يفكر بأن يصوِّب مسيرته في حياته. وقد أوضح الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بعض هذه الآفات والأمراض حيث قال: “سُكْرُ الغفلة والغرور أبعد إفاقةً من سُكر الخمور”[4].

ذلك أنّ المغرور إنسان يتجمد على ما هو عليه من حال وواقع فلا يسعى للإصلاح إن كان على خطأ ولا للإستزادة إن كان على الجادة، ولذا فهو حقيقة وواقعاً فقير مسكين كما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: “المغرور في الدنيا مسكين”[5].

فالغرور مرض خطير يشلُّ طاقات الإنسان ويسوِّغ له جموده وتأخره ويغلق أمام بصيرته نوافذ الإشراف على آفاق التطور والتقدم والتغيير، فالغرور يقتل الشعور بالحاجة إلى التحسن والتطور.

ولذا نرى أنّ الإسلام جاء ليحثَّ على اغتنام فرصة الشهر الشريف إذ يفرض على المسلم سلوكيات تخرجه عن ما تعوده في حياته في غيره من الشهور، كما يحثّ على أن لا يقتصر هذا التغيير على الإمساك عن الطعام والشراب، بل جاءت خطبة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لتقول للمسلمين إنّ على المسلم أن يضع خطة وخريطة ويرسم برنامجاً ليستفيد من شهر رمضان وبينت الكثير من خطوات ومراحل هذا البرنامج، العبادية، والإجتماعية، والمعرفية.

خاتمة: حذارِ من التغيُّر السلبي:
ومن الأمراض التي نجدها في زماننا الحاضر هو هذا الإنحراف الممنهج في التعامل مع شهر نزول الوحي، وشهر ليالي القدر، وربيع العبادة ليغدو شهر الكسل، وشهر النوم، وشهر المسلسلات والحفلات حفلات الطرب والرقص… والإختلاط السلبي… ولا أقلها من كونه عند البعض شهر شهوة البطن بالتفنن بألوان الطعام والمأكل والمشرب وغير ذلك مما لا تتسع له الصفحات هذه.

فبدل أن يكون شهر رمضان شهر النهوض والثورة على الواقع المنحرف يغدو شهراً للثورة ضد التغيير الإيجابي، شهراً يسير فيه الإنسان عكس طريق التكامل والرقي، فالإسلام يريد شهر رمضان شهراً ينتصر فيه الإنسان لبعده الملكوتي وجنبته الروحية فيما البعض يجعله شهراً للإنغماس في وهاد البهيمية والحيوانية والمادية، ولعلَّه لذلك لَفَتَ الله إلى مناسبة الصوم بكونه: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾[6].

والروايات ذكرت أنه فيه أنزلت الكتب السماوية الأخرى، القصد منه لفت نظر الناس والمسلمين خاصة إلى ملاءمته للبعد الروحي وهو الفترة المناسبة ليقوم الإنسان بالعناية ببعده الروحي بعد أن انكبَّ طيلة أحد عشر شهراً على البعد الحيواني، في الأغلب فهو شهر اختاره الله لإنزال رحمته وجعله ربيعاً للعبادة وموسماً للقرب منه، وهو شهر السياحة بالروح وعلى دابة الجسد في ميادين القرب منه تعالى.

* زاد البصيرة في شهر الله، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة الإنشقاق، الآية: 6.
[2] الأمالي، ص109.
[3] سورة البقرة، الآية: 184.
[4] ميزان الحكمة، للريشهري، ج2، ص1222.
[5] بحار الأنوار، ج69، ص319.
[6] سورة البقرة، الآية: 185.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل