السؤال: لماذا يُعَدّ دينُ الإسلام الدّينَ الأكمل؟ وهل كانت الأديان السّابقة ناقصة؟

الجواب: إنّ الهداية الإلهية كانت على الدوام متناسبة مع الزمان والبيئة الاجتماعية التي أُرسل إليها الأنبياء؛ فكمال الإسلام لا يعني نقص الأديان السابقة، بل يشير إلى بلوغ الإنسان مرحلة جديدة من القابلية والاستعداد عبر تطوّر التاريخ البشري.

ومن الأسئلة التي قد تُثار أحيانًا: إذا كان الإسلام هو أكمل الأديان، فهل يعني ذلك أنّ الأديان السابقة كانت ناقصة؟ والجواب عن هذه الإشكالية يتطلّب الالتفات إلى عدّة نقاط أساسية:

أوّلًا: إنّ الدين وُضع لهداية الإنسان وفتح طريق تكامله، لا لتكميل الله تعالى—فالله سبحانه كامل على الإطلاق منزَّه عن كل نقص واحتياج. ومن ثمّ فحين نصف الإسلام بأنّه «أكمل الأديان»، فالمقصود أنّه آخر مرحلة في مسار الهداية الإلهية المتدرّجة التي تراعي تطوّر الإنسان وقدرته على تحمّل المعارف والأحكام، لا أنّ الأديان السابقة كانت قاصرة أو معيبة.

ثانيًا: إنّ كلّ نبيّ من أنبياء الله أُرسل إلى جماعة مخصوصة وفي ظرفٍ تاريخيّ معيّن، وقد ناسب الخطابُ الإلهيّ آنذاك مستوى وعي تلك الأمّة وظروفها. فموسى(ع) وعيسى(ع) كانا مأمورَين بهداية بني إسرائيل تحديدًا، وتشهد على ذلك النصوص القرآنية والكتب السماوية السابقة؛ قال تعالى:﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ﴾،وقال سبحانه عن عيسى(ع): ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾.

وهذا يدل على أنّ رسالاتهم كانت مرحلية ومرتبطة بقومٍ بعينه، لا شاملة لجميع البشر.أمّا الإسلام، فهو الدين الذي خُتمت به الرسالات، وقد خُصّ بخطابٍ عالميّ يتوجّه إلى الإنسان بما هو إنسان، في كلّ عصر ومكان. وقد نصّ القرآن الكريم على شمول رسالة النبي(ص): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾.

إذن فتخصيصُ الرسالات السابقة بأمم معيّنة لا يعني نقصًا فيها، بل يعكس حدودَ مهمّتها الإلهية وطبيعة المرحلة التاريخية التي جاءت لمعالجتها. أمّا اكتمال الإسلام فمعناه اكتمال المسار التربوي والروحي للبشرية في أعلى درجات قابليّتها لتلقّي الشريعة الخاتمة.

ثالثاً: لا يُفهَم من وصف الإسلام بأنّه «أكمل الأديان» أنّ الأديان الإلهية السابقة كانت ناقصة من جهة صدورها عن الله تعالى؛ فجميعها منزَّل من عنده، وجميع الأنبياء صادقون في تبليغ رسالاتهم، وقد أدَّوا ما كُلِّفوا به من هداية أقوامهم. إنّما يُوصَف الإسلام بالكمال من حيث السعة والشمول والملاءمة التامّة لفطرة الإنسان واحتياجاته الماديّة والروحيّة، لا من حيث المقارنة بالقيمة الإلهية لرسالات الأنبياء السابقين.

وقد أشار القرآن الكريم إلى أنّ أصل الدين واحد، وأنّ الاختلاف إنّما وقع بسبب انحراف البشر وتحريفهم، فقال تعالى: «إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ…»، مما يدلّ على وحدة المصدر الإلهي وتعدّد المراحل التشريعية بتعدّد الأزمنة والأقوام.

رابعاً: شهدت الكتب السابقة –كالتوراة والإنجيل– عبر التاريخ تحريفاً وتغييرات جوهرية حالت دون بقاء نصوصها الأصلية الموحى بها، وهو ما جعل اعتمادها كمرجع كامل للهداية أمراً غير ممكن. أمّا القرآن الكريم فقد نزل بوصفه الكتاب الخاتم وتعهّد الله بحفظه بنفسه، كما في قوله تعالى: «إِنّا نَحنُ نَزَّلْنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُون».

ومن هنا، فإنّ من يريد الاهتداء بالوحي الإلهي في صورته الكاملة والنهائية، لا يجد ذلك إلا في الإسلام الذي اكتمل نزوله، واكتملت به الشريعة، وبقي محفوظاً من التحريف والتبديل.

خامساً: إنّ تطوّر التشريع الإلهي يجري وفق سنّة التدرّج التي تراعي نموّ المجتمعات البشرية واتساع قابلياتها المعرفية والروحية. فكما ينتقل الإنسان في مراحل التعليم من مبادئ أساسية إلى معارف أكثر عمقاً، كذلك جاءت الرسالات الإلهية على نحوٍ يوافق مستوى الوعي الجمعي لكلّ مرحلة تاريخية. ولهذا مثّلت الشريعة المحمّدية المرحلة الختامية في هذا المسار؛ لأنها قدّمت منظومة شاملة تستوعب حاجات الإنسان المادية والروحية في مختلف الأزمنة والأمكنة.

نتيجة البحث: يتّضح أنّ وصف الإسلام بكونه «أكمل الأديان» لا يعني -بحالٍ من الأحوال- أنّ الشرائع السابقة كانت «ناقصة» من جهة صدورها الإلهي، بل إنّ كلّ رسالة جاءت كافية وهادية لجمهورها الذي أُرسلت إليه. أمّا كمال الإسلام فيعود إلى عالميّته، وشموليته، وبقائه محفوظاً من التحريف بنصّ القرآن الكريم، إضافةً إلى انسجامه مع الفطرة الإنسانية انـسجاماً تامّاً.

ومن ثَمَّ، فإنّ النقص والاختلافات التي تُرى في الواقع الديني المعاصر لا ترجع إلى الدين نفسه، بل إلى عدم استفادة البشر من الهداية الإلهية على الوجه الصحيح. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا».

للمشاركة:

روابط ذات صلة

السؤال: ما هي الأدلّة النّقليّة (قرآن ورواية) على انتفاع الأموات بعمل الأحياء، مع اعتقادي بعدم وجود مانع عقليّ لتوصيل النّفع من الحيّ للميّت، وهل يمكن لأيّ إنسان أن يستأجر إنساناً آخر للقيام بعبادات من أجل الميّت أم لا بدّ من كون الحيّ إبناً للميّت؟
سورة النمل، آية 47، صفحة 381
قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَ بِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ
ماذا تقصد الآية ب " طائركم عند الله "
السؤال: كيف نفسّر نسبة فعل (الخلق) إلى بعض الملائكة والأنبياء والأولياء (عليهم السلام)؟ وهل يصح إطلاق هذا الفعل عليهم؟
السؤال: كيف كان أهلُ البيت عليهم السلام -وهم قمّة الطهارة ومعادن العصمة- يخرّون خشوعاً ويغشى عليهم من خشية اللّٰه، بينما نقف نحن الملوّثون بالذنوب أمام ربّ العالمين بهذا القدر من الجرأة والغفلة؟
هل نحاسب على أفكارنا السّيّئة؟

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل