سؤال: يُتداول أحيانًا أنّه عند ظهور الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) سيأمر بهدم بعض المساجد؛ فهل هذا القول صحيح؟ وهل المقصود مساجد معيّنة ومحدودة؟ وما الأساس أو العلّة في صدور مثل هذا الإجراء أصلًا؟

الجواب: لقد أنعم الله تبارك وتعالى على الإنسان بنِعَمٍ وهباتٍ جليلة، بعضُها فريد لا نظير له، ومن أعظم تلك العطايا وأشرفها: المسجد؛ ذلك البيت الذي أُسِّس باسم الله وحده، وحُمِل اسمه، ولم يُنسب إلى شخص أو جهة سواه. إنّه مكان يقول الله تعالى فيه لعباده: هذا البيت لي وحدي؛ فاقصدوه للعبادة، وأظهروا فيه خضوعكم وعبوديتكم لي على نحوٍ خاص.

ولعلّ الإنسان لا يجد نعمةً تتيح له الارتباط الدائم بالله تعالى، في مختلف المدن والمجتمعات، كما يتيحها المسجد؛ هذا الارتباط الذي يتجلّى عبر حضور القلب وسكون النفس. فما أعمق الطمأنينة التي يشعر بها المرء في بيت الله، وكأنّ المعنى الذي عبّر عنه القرآن الكريم بقوله: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، يتحقّق في فضاء المسجد تحقّقًا عينيًّا محسوسًا.

غير أنّ اللطيف في الأمر – وهو ما ينبغي الالتفات إليه بدقّة – أنّ هذه العطية العظيمة نفسها، إذا استُعمِلت في غير موضعها، أو أُفرغت من غايتها الإلهية، قد تنقلب من نعمة إلى مفسدة، ومن وسيلة هداية إلى أداة إضرار. ولتجلية هذا المعنى، يكفي أن نُلقي نظرةً واعية على تاريخ صدر الإسلام؛ ذلك التاريخ الذي يواجهنا أحيانًا بوقائع تثير الدهشة، وتكشف كيف جعل الله تعالى من بعض الأحداث رسائلَ بليغة، تحمل دروسًا عميقة للأمّة في كل عصر.

في واقعة هجرة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله، والتي كان دخوله فيها في شهر ربيع الأوّل، نزل رسول الله أوّلًا في أرض قُباء، وهناك قام بتشييد أوّل مسجد رسمي في الإسلام ـ وإن كان في صورة بسيطة وأوليّة ـ وهو المسجد المعروف اليوم بـ مسجد قباء، وقد وردت في الروايات نصوص كثيرة تبيّن عظيم الأجر ورفيع الفضل للصلاة فيه.

ثم بعد ذلك، انتقل النبيّ صلى الله عليه وآله من قباء إلى المدينة المنوّرة. وبعد نحو عشر سنوات، شُيِّد في المنطقة نفسها مسجد آخر، يقع مقابل مسجد قباء مباشرة، عُرف في التاريخ الإسلامي بـ مسجد الضرار. وعندما همَّ النبيّ صلى الله عليه وآله بالخروج إلى غزوة تبوك، قدم إليه بُنَاة هذا المسجد ـ وهم جماعة من المنافقين ـ وقالوا: يا رسول الله، لقد بنينا مسجدًا، فهلاّ تشرفت بافتتاحه؟ فأجابهم النبيّ صلى الله عليه وآله: إنّي متوجّه إلى الجهاد، فإذا عدتُ فعلتُ ذلك.

غير أنّه في طريق العودة، نزل الوحي الإلهي وكشف الحقيقة الكامنة وراء هذا المسجد، وبيّن الهدف الحقيقي من إنشائه. فلمّا دخل النبيّ صلى الله عليه وآله المدينة، توجّه مع جمعٍ من أصحابه إلى ذلك الموضع.

وهنا تتجلّى المفارقة العجيبة: ففي جانبٍ كان مسجد قباء، ذلك المسجد الذي أُسّس على التقوى، وبُني بيد النبيّ نفسه، وشارك صلى الله عليه وآله مباشرةً في تشييده وتنظيمه؛ وفي الجانب الآخر، كان مسجد الضرار، الذي اتّخذ من ظاهر العبادة ستارًا، ومن البناء الديني وسيلةً لأهداف فاسدة ومقاصد منحرفة.

أمر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بتخريب مسجد الضرار، وبذلك يصبح مسجد قباء أول مسجد يُنشأ في الإسلام، ومسجد الضرار أول مسجد يُهدَم، وكلاهما يقعان في نفس الأرض. وتُبرز هذه الواقعة التاريخية حقيقة مهمة: فبالرغم من عظمة المسجد وقدسه، يبقى الأصل الأساسي فيه الوظيفة الصالحة والارتباط الحقيقي بالله، لا مجرد الاسم أو المظهر الخارجي.

فيما يخص موضوع تخريب المساجد عند ظهور الإمام المهدي عليه السلام، يجب التعامل مع الأمر وفق رؤية روائية دقيقة. فالروايات في هذا المجال تنقسم إلى فئتين:

  • الفئة الأولى تتعلق بـ المسجد الحرام، وهذه خارج نطاق بحثنا، إذ إن الحديث فيها عن إعادة البناء والتجديد لا عن الهدم، ولها قصة وفلسفة تختلف عن الهدم.
  • أما الفئة الثانية، فتشير إلى أنه عند قيام الإمام المهدي عليه السلام، يتم هدم أربعة مساجد في مدينة الكوفة بشكل خاص. النص الأصلي للرواية لم يذكر أسماء هذه المساجد، لكن روايات أخرى تشير إلى أن هذه المساجد بُنيت بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، على ما يبدو كامتنان أو استجابة لشهادة الإمام، وهو ما يعكس العلاقة بين الأحداث التاريخية والممارسات العمرانية الدينية.

*ترجمة مركز الإسلام الأصيل

للمشاركة:

روابط ذات صلة

التوفيق بين آية اكمال الدين وقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله حول سن السنن
السؤال: كيف كان أهلُ البيت عليهم السلام -وهم قمّة الطهارة ومعادن العصمة- يخرّون خشوعاً ويغشى عليهم من خشية اللّٰه، بينما نقف نحن الملوّثون بالذنوب أمام ربّ العالمين بهذا القدر من الجرأة والغفلة؟
سيدي الكريم مع تسليمنا المطلق بأن الله تعالى هو الذى ليس كمثله شيء وأنه يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء احدا غيره .
السؤال: لماذا لا يمنع الله بعض الظلم والجرائم التي يرتكبها الإنسان؟
السؤال: هل كان طوفان نوح عليه السلام كارثة عالمية أم عذابا إقليميا؟

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل