لماذا لُقّب الإمام الجواد عليه السلام بأكثر مواليد الأئمة الأطهار عليهم السلام بركة؟

أشارت وكالة أنباء حوزه حول هذا الموضوع أن فرقة «الواقفية» كانت تهدد استمرار سلسلة الإمامة من خلال إنكار إمامة الإمام الرضا عليه السلام، واستغلال شبهة عدم إنجابه ولدا ذكرا. وقد جاء مولد الإمام الجواد عليه السلام ليضع حدا لهذه الأزمة، حيث وصفه الإمام الرضا عليه السلام بـ «أبرَك مولود». وفي هذا الحوار مع حجة ألإسلام محمد عباسي، المختص في الشبهات الدينية، نستعرض التحليلات التاريخية والروائية، والأبعاد المختلفة لهذه الحادثة المباركة، وآثارها العميقة في استمرار خط الولاية.

السؤال:
لماذا وُصف الإمام الجواد عليه السلام، من بين الأئمة عليهم السلام، بأنه مولود كثير الخير والبركة؟

جواب حجة الإسلام محمد عباسي:

بسم الله الرحمن الرحيم

فيما يتعلق بهذه الرواية المشهورة المنقولة عن الإمام الرضا عليه السلام، حيث قال في حق ولده جواد الأئمة عليه السلام: انه مولود لم يولد مولود أبرك منه، أو قال: «لم يولد لشيعتنا مولود أبرك من هذا المولود»؛ يثار السؤال عن سر هذا الوصف، ولماذا يذكر الإمام الرضا عليه السلام ولده بهذه الصفات، ومن بين جميع المواليد الذين ولدوا، يُعرف هذا الإمام بهذه الخصيصة، أي كونه الأكثر بركة.

من المؤكد أن هذا الوصف لا يرجع إلى المقامات المعنوية لتلك الذوات المقدسة، إذ إن لكل واحد من الأئمة عليهم السلام مقامه السامي. وإنما هناك جهة خاصة، ونقطة تاريخية دقيقة ينبغي الالتفات إليها في هذا السياق. ولتوضيح هذه المسألة، أذكر مقدمتين، ثم أبين بعد ذلك أصل سر القضية.

إن ما ورد في الروايات المروية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله كان معروفا ومتداولا لدى الشيعة وسائر المسلمين، حيث نُقل وسُمِع أن من نسل الإمام الحسين عليه السلام سيقوم تسعة أئمة بمواصلة مسيرة الإمامة. أي إن لدينا روايات بعنوان «الأئمة الإثنا عشر»، صرّح فيها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بأن له اثني عشر وصيا، وبيّنت تلك الروايات أن الإمامة تستمر في تسعة من ذرية ولده الأصغر الإمام الحسين عليه السلام، وأن مسار الإمامة يجري فيهم.

ومن جهة أخرى، في زمن الإمام الرضا عليه السلام، وبعد وفاة والده الجليل الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، أنكر بعض الناس إمامة الإمام الرضا عليه السلام بدافع المطامع الدنيوية والمصالح والتعلقات المادية التي كانت لديهم، فأنشأوا تيارا منحرفا عُرف باسم «الواقفية»، وتوقفوا عند إمامة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وقالوا إن مسار الإمامة بهذا المعنى لن يستمر بعده. وبهذا ظهر تيار منحرف يُسمى الواقفية في العالم الإسلامي، ووقف عمليا في مواجهة الإمام الرضا عليه السلام.

وفي تلك الظروف، كان عمر الإمام الرضا عليه السلام سبعا وأربعين سنة، ولم يكن له آنذاك ولد ذكر. وقد تحولت هذه المسألة إلى ذريعة استغلها أتباع الواقفية ليقولوا:

«لو كان مسار الإمامة حقا، وكان الإمام الرضا عليه السلام إماما بالفعل، وكانت الإمامة وفق ما ورد في روايات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله سلسلة مستمرة، لكان لا بد أن يكون للإمام الرضا عليه السلام ولد يتولى مواصلة هذا المسار. غير أن الإمام بلغ سبعا وأربعين سنة ولم يكن له ولد بعد».

وعلى هذا الأساس، أُثيرت آنذاك ذرائع وشبهات كثيرة.

وقد أُثيرت آنذاك شبهة مفادها: لعل دعوى الإمام الرضا عليه السلام بأنه الإمام، وأن هذا المسار ينبغي بطبيعته أن يستمر من بعده، ليست صحيحة، ولعل قول الواقفية هو الصحيح. وكان أشخاص مثل «ابن قيامة الواسطي»، وهو من رؤوس الواقفية، يطرحون هذه الإشكالات في كلماتهم، ويمارسون التحريض والتشويه ضد الإمام.

غير أنه لما وُلد الإمام الجواد عليه السلام، ورُزق الإمام الرضا عليه السلام بولد ذكر، سقطت هذه الذرائع كلها دفعة واحدة؛ إذ تبيّن بوضوح أن مسار الإمامة لا يتوقف عند الإمام الرضا عليه السلام، وأن أولئك «التسعة من الأبناء» الذين أخبر عنهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، من ذرية الإمام الحسين عليه السلام، ما زال تسلسل الإمامة فيهم قائما ولم ينقطع. ومن هنا سُحبت الذريعة من أيدي المخالفين، ولهذا قيل إن هذا المولود هو أبرك مولود وُلد في الإسلام وبين الشيعة.

هذه المسألة كانت قائمة، ومع ذلك نجد في التاريخ أنه بعد ولادة الإمام الجواد عليه السلام، عادت الواقفية ومخالفو الإمام الرضا عليه السلام إلى إثارة الشكوك من جديد، فقالوا: «لعل هذا الولد ليس هو الابن الحقيقي للإمام الرضا عليه السلام». ولذلك نُقل في المصادر التاريخية أنهم أثاروا شبهات جديدة.

كما وقعت حادثة أخرى، إذ كان الإمام الجواد عليه السلام جالسا في مجلس، في حين كان الإمام الرضا عليه السلام يعمل في بستان، منشغلا بالزراعة والبستنة، وكانت ساقه المباركة ظاهرة تُرى للناس.

كان الإمام الجواد عليه السلام جالسا بين أقاربه وأفراد أسرته، وكان هناك أشخاص يُعرفون بعلم القيَافة، أي أولئك الذين كانوا يستدلون من خلال ملامح الوجوه وبنية الأجساد على كون هذا الشخص ابنا لهذا الأب أو لتلك الأم. وكان هؤلاء يعدّون من المتخصصين في هذا المجال.

غير أنه لا بد من التنبيه إلى أن علم القيَافة لا يتمتع بأي حجية في فقه الشيعة، ولا يمكن من خلاله إثبات بنوة شخص لآخر، إذ لا يُعد حجة شرعية معتبرة.

إلا أن هذا العلم كان موجودا آنذاك، وكان بعض الناس يؤمنون به. ومن أجل إزالة هذه الشبهات، وبقصد التحقق مما إذا كان الإمام الجواد عليه السلام هو الابن الحقيقي للإمام الرضا عليه السلام أم لا، لجأوا إلى الاستعانة بهؤلاء القيَافة.

في ذلك المجلس، طُلب منهم أن يحدّدوا من هو الأب الحقيقي للإمام الجواد عليه السلام من بين الحاضرين.

فجلسوا وأخذوا ينظرون إلى الأشخاص الموجودين في المجلس، ثم قالوا: «ليس أحد من الحاضرين في هذا المجلس هو الأب الحقيقي لهذا الشخص». عندئذ وقع نظرهم على رجل كان خارج ذلك الجمع، وهو الإمام الرضا عليه السلام، إذ كان منشغلا بالزراعة، وبعد الفحص والتدقيق قالوا: «إن كان لهذا الولد أب، فلا بد أن يكون ذلك الشخص الذي يعمل في الزراعة والبستنة».

وعلى هذا الأساس، فإن جهة الامتياز التي ذُكرت للإمام الجواد عليه السلام ترجع إلى أمرين:

أولا، إنها تصدّق قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بشأن «الأئمة الإثني عشر»، وكون «التسعة من الأبناء» من نسل الإمام الحسين عليه السلام هم الذين يواصلون مسار الإمامة. وقد جاء مولده عليه السلام تأييدا لهذه الروايات، ودليلا على أن هذا المسار ما زال مستمرا.

وثانيا، إنه جواب عملي على أولئك الذين كانوا يثيرون الإشكالات والشبهات حول إمامة الإمام الرضا عليه السلام، وكذلك حول إمامة الأئمة الذين جاؤوا بعده. فقد كان مولد الإمام الجواد عليه السلام ردا واضحا على تلك الشبهات أيضا.

ترجمة مركز الإسلام الأصيل

للمشاركة:

روابط ذات صلة

السؤال : كيف يستدل على إمامة أهل البيت "ع" بالآية الكريمة : "إني جاعلك للناس إماما" رغم أن من معاني إمامتهم الخلافة وإمامة النبي ابراهيم "ع" ليس لها علاقة بالخلافة ؟
هل اشترى الإمام الحسين عليه السلام المكان الذي استشهد فيه؟
هل يصح التنبؤ بأحداث العالم بناءً على احوال النجوم؟ ما مدى صحة ما في التقويمات الفلكية القديمة، من اختيار اثني عشر حيواناً لتسمية كل عام وادراج خصائص لكل من هذه السنوات (على سبيل المثال، يقولون فی عام الثعبان، حالة المناجم جيدة)؟ وإذا لم يكن هذا صحيحاً، فلماذا يدرج علماء النجوم، الذين غالباً ما يكونون من علماء الدین، هذه المطالب في التقويمات الفلكية؟
السؤال: لماذا لا يمنع الله بعض الظلم والجرائم التي يرتكبها الإنسان؟
هل الدعاء أفضل من تلاوة القرآن؟ ولماذا نحن اليوم أحوج إلى الدعاء والتوسّل أكثر من أيّ وقت مضى؟

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل