بني!
إستفد من شبابك وعش طول عمرك بذكر اللَّه ومحبته (جلّ وعلا) والرجوع إلى فطرة اللَّه.
ما أكثر ما يخدعنا شيطان النفس نحن الشيَّب وأنتم الشبان بوسائل مختلفة فنحن الشيوخ يواجهنا بسلاح اليأس من الحضور وذكر الحاضر فينادي، لقد فاتكم العمر وتصرم وقت الإصلاح ومضت أيام الشباب التي كان ممكناً فيها الاستعداد والاصلاح…
وقد يتصرف معنا أحياناً بنفس الطريقة التي يتصرف بها معكم أيها الشبان، فهو يقول لكم: أنتم شبان ووقت الشباب هذا هو وقت التمتع والحصول على اللذَّات وأمثال هذه الوساوس الكثيرة التي يلقى بها في سمع الإنسان…
بني!
إذن: فانهض للمُجاهدة وأنت شابٌّ تمتلك قوةً كُبرى، واهرب من كلِّ شيء ما عدا الحبيب ــ جلاّ وعلا ــ وعزِّز بما استطعت ارتباطك به تعالى إن كان لديك ارتباط.أمَّا إذا لم يكن لديك ذلك ــ والعياذُ باللَّه ــ فاسعَ للحصول عليه واجتهد في تقويته فليس هناك ما يستحق الارتباط به سواه تعالى…
بني!
أتحدث إليك الآن وأنت ما زلت شاباً، عليك أن تتنبه إلى أن التوبة أسهل على الشبان كما أن اصلاح النفس وتربيتها يتم بسرعة أكبر عندهم، أرواح الشباب رقيقة شفافة سهلة القياد، فالشاب يستطيع بسهولة ــ نسبياً ــ أن يتخلص من شر النفس الأمارة بالسوء ويتوجه نحو المعنويات…
فلينتبه الشبان، فالموت قريب من الشبان والشيوخ على حد سواء وأي من الشبان يستطيع الاطمئنان إلى أنه سيبلغ مرحلة الشيخوخة؟…
بني!
إرتبط بالغني المطلق حتى تستغني عمن سواه، واطلب التوفيق منه حتى يجذبك من نفسك ومن جميع من سواه ويأذن لك بالدخول والتشرف بالحضور…
بني!
إجهد في أن يكون سيرك في الصراط المستقيم ــ صراط اللَّه ــ واسعَ أن تكون حركات قلبك، وسكناته وسائر جوارحك في إطار التسامي والارتباط باللَّه…
بني!
إسعَ للعثور على نفسك المعجونة بفطرة اللَّه واستنقذها من مستنقع الضلال وأمواج العُجب والأنانية واركب “سفينة نوح” التي هي “ولاية اللَّه” “فإن من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك”…
ولدي العزيز!
إن اللَّه جلّ وعلا (هو الأول والآخر والظاهر والباطن)… فهو ظاهر وكل ظهور هو ظهور له، ونحن بذاتنا حجب، فأنانيتنا وإنيتَّنا هي التي تحجبنا فَلْنَلُذْ به وَلْنَطْلب منه تبارك وتعالى متضرعين مبتهلين أن ينجينا من الحجب…
بني!
إنَّ ما هو مذموم وأساس ومنشأ جميع ألوان الشقاء والعذاب والمهالك ورأس جميع الخطايا والذنوب إنما هو “حب الدنيا” الناشيء من “حب النفس”.الدنيا المذمومة هي في داخلك أنت، والتعلق بغير صاحب القلب هو الموجب للسقوط…
بني!
تعرَّف إلى القرآن ــ كتاب المعرفة العظيم… فهذا الكتاب كتاب من المحبوب إليك وإلى الجميع وكتاب المحبوب محبوب… واعلم أننا لو أنفقنا أعمارنا بتمامها في سجدة شكر واحدة على أن القرآن كتابنا، لما وفينا هذه النعمة حقها من الشكر…
بني!
اجتهد واعمل للحد من الأهواء النفسانية التي لا حد لها ولا حصر واستعن باللَّه جلّ وعلا فإنه لا يصل أحد لشيء من دون عونه، والصلاة ــ معراج العارفين وسفر العاشقين ــ سبيل الوصول إلى هذا المقصد…
بني!
إنَّ الأدعية والمناجات التي وصلتنا عن الأئمة المعصومين عليهم السلام هي أعظم أدلَّة إلى معرفة اللَّه جلّ وعلا وأسمى مفاتيح العبودية وأرفع رابطة بين الحق والخلق كما أنها تشتمل في طياتها على المعارف الإلهية وتُمثِّل أيضاً وسيلة ابتكرها أهل بيت الوحي للأنس باللَّه جلت عظمته فلا تصدنك وساوس الجاهلين عن التمسك أو الأنس بها…
بني!
إسعَ أن تتجنب المجالس التي تُوقع الإنسان في الغفلة عن ذكر اللَّه فإن ارتياد مثل هذه المجالس قد يؤدي إلى سلب الإنسان التوفيق، الأمر الذي يعد بحد ذاته خسارة لا يمكن جبرانها.
بني!
إن ما يطمئن الجميع ويخمد نيران النفس المتمردة ويحد من إلحاحها واستزادتها في الطلب إنما هو الوصول إليه تعالى. والذكر الحقيقي له (جلّ وعلا)…
بني!
إن لم تكن من أهل المقامات المعنوية إسعَ أن لا تُنكر المقامات الروحانية والعرفانية لأن الإنكار من أخطر مكائد الشيطان والنفس الأمارة بالسوء التي تصد الإنسان عن بلوغ جميع المراتب الإنسانية والمقامات الروحانية…
بني!
… فليكن انتخابك للأصحاب من بين أولئك الصالحين والمتدينين والمهتمين بالأمور المعنوية ممن لا تغرنهم زخارف الدنيا ولا يتعلقون بها… وممن لا تلوث الذنوب مجالسهم ومن ذوي الأخلاق الكريمة فإن تأثير المعاشرة على الطرفين من اصلاح وافساد أمر لا شك في وقوعه…
استمع يا ولدي العزيز لنصيحة أب قَلِق محتار ولا تتعب نفسك بالانتقال بطرق هذا الباب أو ذاك الباب للوصول إلى المنصب أو الشهرة التي تشتهيها النفس فأنت مهما بلغت من مقام فإنك سوف تتألم وتشتد حسرتك وعذاب روحك لعدم بلوغك ما فوق ذلك…
بني!
لا ينبغي أن تدفعك الدنيا بإقبالها عليك وتحقيقها ما يشبع شهواتك إلى أن تتكبر وتفتخر على عباد اللَّه فما أكثر ما تعده أنت خيراً وهو شر لك…
بني!
اجعل نظرتك إلى جميع الموجودات وخصوصاً البشر نظرة رحمة ومحبة. أوليست الموجودات كافة واقعة تحت رحمة رب العالمين من جهات عديدة…
كذلك من الأمور الهامة التي ينبغي أن أوصي بها: الحرص على إعانة عباد اللَّه خصوصاً المحرومين والمساكين المظلومين فابذل ما في وسعك في خدمتهم فذلك خير زاد وهو من أفضل الأعمال لدى اللَّه تعالى، اسع في خدمة المظلومين وفي حمايتهم من المستكبرين والظالمين…
بني!
ما أحسن أن تلقن نفسك وتقنعها حقيقة واحدة وهي أن مدح المداحين وإطراء المطرين غالباً ما يهلك الإنسان ويجعله بعيداً عن التهذيب وأشد بعداً…
بني!
الذنوب حتى إذا كانت صغيرة بنظرك لا تستخف بها “انظر إلى من عصيت” وبهذا المنظار كل الذنوب عظيمة وكبيرة…
ابنتي!
اعلمي أن سوف تحملين على ظهرك يوماً حمل التأسف الثقيل على الشباب وسوف ترين أن قافلة العشاق المحبين للَّه فاتتكِ ولا سمح اللَّه…إذن اسمعي من هذا الهرم البائس الذي يحمل هذا الحمل وقد انحنى تحته أيام الشباب وأنسها وملذاتها سريعة الزوال.
ابنتي!
ما دام الشباب في يدكِ فجدي في العمل في تهذيب القلب وكسر الأقفال ورفع الحجب فإن آلاف الشباب الذين هم أقرب إلى أفق الملكوت يوفقون لذلك ولا يوفق هرم واحد.القيود والأغلال والأقفال الشيطانية إذا غُفل عنها في مرحلة الشباب تضرب جذورها في كل يوم يمضي من العمر وتصبح أقوى…
من مكائد الشيطان الكبرى والنفس الأخطر منه أنهما يعدان الإنسان بالاصلاح في آخر العمر وزمان الشيخوخة ويؤخران التهذيب والتوبة إلى اللَّه إلى الزمان الذي تصبح فيه شجرة الفساد وشجرة الزقوم قوية والإرادة والقدرة على التهذيب ضعيفتين بل ميتتين…
ابنتي!
ضعي الغرور والآمال الشيطانية الكاذبة جانباً…وجدِّي في العمل وتهذيب نفسك وتربيتها فإن الرحيل قريب جداً…وكل يوم يمر وأنت غافلة يجعلكِ متأخرة…
ابنتي!
اهتمي برفع الحجب لا جمع الكتب…إنَّ اختزان العلوم لا يخفف الحجب بل يزيدها وينقل صاحبه من الحجب الصغار إلى الحجب الكبار. لا أقول اهربي من العلم والعرفان والفلسفة واقضي عمرك بالجهل فإن هذا انحراف…، أقول إسعي وجاهدي كي يكون الدافع إلهياً…
ابنتي!
في الطريق آفات كثيرة…، هذا اللسان الأحمر يطيح بالرأس النضر ويجعله ألعوبة للشيطان وأداة فيفسد الروح والفؤاد. لا تغفلي عن العدو الكبير للإنسانية والمعنوية هذا. احسبي مهما استطعت الأخطاء الكبيرة لهذا العضو الصغير وانظري ماذا يفعل في ساعة من عمرك كان ينبغي أن تنفقيها للحصول على رضا الحبيب! وأية مصائب يسبب. إحدى هذه المصائب غيبة الأخوة والأخوات…
ابنتي!
الانشغال بالعلوم حتى العرفان والتوحيد إذا كان لاكتناز الاصطلاحات ــ وهو حاصل ــ أو لأجل نفس تلك العلوم فإنه لا يقرب السالك من الهدف بل يبعده عنه (العلم هو الحجاب الأكبر).
وإذا كان البحث عن الحق وعشقه هو الهدف ــ وهو نادر جداً ــ فذلك مصباح الطريق ونور الهداية…
* الشباب ذخيرة المجتمع،سلسلة الانشطة الصيفية، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية