سورة براءة
وهي سورة التوبة، التي نزلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الأوّل من ذي الحجّة ۹ﻫ، وهي قوله تعالى: (بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنّ اللهَ مُخْزِي الكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَإِن تَوَلّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلّا الّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ ثمّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدّتِهِمْ إِنّ اللهَ يُحِبُّ المُتّقِينَ * فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُواْ المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ…)(1).
تبليغ سورة براءة
لمّا نزلت الآيات الأُول من سورة التوبة على النبي محمّد(صلى الله عليه وآله) أعطاها لأبي بكر لكي يقرأها على مشركي مكّة يوم النحر.
فلمّا خرج أبو بكر، نزل جبرائيل(عليه السلام) على رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال: «يا مُحمّد، لا يؤدِّي عنكَ إلّا أنت أو رجلٌ منك».
فبعث رسول الله(صلى الله عليه وآله) الإمام علي(عليه السلام) في طلب أبي بكر على ناقته العضباء، وقال(صلى الله عليه وآله) له: «واِلحَقْ أبا بكر، فَخُذ براءةَ مِن يده، وامض بها إلى مكّة، فانبذ عهد المشركين إليهم، وخَيِّر أبَا بكرٍ بين أن يسيرَ مع رِكَابك أو يرجع إليّ».
فركب أمير المؤمنين(عليه السلام) ناقة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وسار حتّى لحق بأبي بكر، فلمّا رآه فزع من لحوقه به، واستقبله فقال: فيم جئت يا أبا الحسن؟ أسائِرٌ معي أنت أم لغير ذلك؟
فقال(عليه السلام): «إنّ رسول الله أمرني أن ألحقك فأقبض منك الآيات من براءة، وأنبذ بها عهد المشركين إليهم، وأمرني أن أخيِّرك بين أن تسير معي أو ترجع إليه»، فقال: بل أرجع إليه.
وكان ذلك في ذي حليفة على الأكثر؛ وذي الحليفة: ميقات أهل المدينة، بينه وبينها ستّة أميال، فرجع أبو بكر إلى المدينة، وسار الإمام علي(عليه السلام) بالآيات إلى مكّة.
فلمّا دخل أبو بكر على النبي(صلى الله عليه وآله) قال: يا رسول الله، إنّك أهّلتَني لأمرٍ طالت الأعناق إليَّ فيه، فلمّا توجّهت إليه ردَدتَني عنه، مالي؟! أنزلَ فِيّ قرآن؟
فقال(صلى الله عليه وآله): «لا، ولكنّ الأمين جبرائيل هبط إليّ عن الله عزّ وجلّ بأنْ لا يؤدِّي عنك إلّا أنت أو رجل منك، وعلي منّي، ولا يؤدِّي عنّي إلّا علي»(2).
تبليغ الإمام علي(عليه السلام) لبراءة
وصل الإمام علي(عليه السلام) مكّة يوم النحر ـ يوم الحجّ الأكبر ـ، فقام(عليه السلام) على الملأ ـ بعد الظهر ـ وقال: «إنِّي رسولُ رسولِ اللهِ إليكم».
فقرأها عليهم: (بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِين * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ…).
أي: من عشرين من ذي الحجّة ومحرّم وصفر وربيع الأوّل وإلى عشرٍ من شهر ربيع الآخر.
ثمّ قال الإمام(عليه السلام): «لا يطوفُ بالبيتِ عريَانٌ ولا عريَانة ولا مشرِكٌ بعد هذا العام»، وقال(عليه السلام) أيضاً: «ومن كان له عهد عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) فمُدّتُه إلى هذه الأربعة أشهر».
والمراد من الأشهر الأربعة للعهود التي لا مدّة لها، أمّا العهود المحدّدة بمُدّة فأجلها إلى انتهاء مُدّتها.
قال الإمام الباقر(عليه السلام): «خَطَبَ علي(عليه السلام) بالناسِ وخَرَط سيفَه وقال: لا يطوفُنّ بالبيتِ عريَان، ولا يَحجُّنّ بالبيت مشرِكٌ، ومَنْ كانت له مدّة فهو إلى مُدّتِه، ومن لم يكن له مُدّة فمُدّته أربعة أشهر. وكان خطب يوم النحر».
وبلّغ الإمام علي(عليه السلام) حكم آخر وهو: (يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ)(3)، فلا يطوف بالبيت ولا يحجّ البيت مشرك بعد هذا العام(4).
من أقوال الشعراء حول المناسبة
۱ـ قال الشاعر شمس الدين محمّد المالكي الأندلسي:
وأرسله عنه الرسول مبلّغاً ** وخصّ بهذا الأمر تخصيص مفرد
وقال هل التبليغ عنّي ينبغي ** لمن ليس من بيتي من القوم فاقتدي(5).
۲ـ قال الشاعر الصاحب بن عبّاد(رحمه الله):
اذكروا أمر براءة ** وأخبروني من تلاها
اذكروا من زوّجه ** الزهراء قد طاب ثراها(6).
۳ـ قال السيّد إسماعيل الحميري(رحمه الله):
براءة حين ردّ بها زريقا ** وكان بأن يبلّغها ضنينا
وقال له رسول الله أنّى ** يؤدّي الوحي إلّا الأقربونا
وإنّك آمن من كلّ خوف ** إذا كان الخلائق خائفينا(7).
۴ـ قال الشيخ محمّد بن محمّد الحلّي(قدس سره):
أبو حسن كشّاف كلّ ملمّة ** أخو المصطفى ردء له ووزير
رسولُ رسولِ الله قارئ وحيه ** ينادي به والمشركون حضور
فأبلغهم جهراً رسالة ربّه ** قويّ أمين ما اعتراه فتور
وصيّ رسول الله وارث علمه ** سفير له في أمره وظهير
فقام ينادي لا يحجّن مشرك ** وسيف الهدى في راحتيه شهير(8).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ التوبة 1 ـ5.
2ـ اُنظر: الإرشاد 1 /65.
3ـ التوبة: 28.
4ـ اُنظر: تفسير العياشي 2 /74.
5ـ الغدير 6 /58.
6ـ معجم رجال الحديث 4 /18.
7ـ أعيان الشيعة 3 /428.
8ـ المصدر السابق 9 /414.
بقلم: محمد أمين نجف