هناك الكثير من التوجيهات الأبويّة الصادقة للإمام الخامنئي دام ظله المتعلّقة بالعبادة وروحيّتها، ومضمونها، من الصلاة إلى الذكر والاستغفار والدعاء، وغيرها من العناوين. وسنتعرّض في هذا الفصل إلى بعض هذه العناوين سائلين الله تعالى أنْ يوفّقنا للعمل بها.
الصلاة
يُحدِّثنا الإمام الخامنئي دام ظله عن أهميّة الصلاة في البعدين الفرديّ والاجتماعيّ. فالصلاة كما هي علاج لأمراض النفس من خلال العبوديّة لله تعالى، فهي أيضاً علاج لأمراض المجتمع المنغمس في الأمور المادّيّة المحتاج لعلاقة مع الله الرحيم. يقول سماحته دام ظله: «كلّما ازداد المصلّون المتوجّهون الخاشعون الذاكرون، كلّما قلّت الظُّلمات والأنانيّة والتفرُّد والاستبداد وسوء الظن والحرص والاعتداء والحسد، ويزداد في المقابل نور الفلاح على جبين الحياة ويتلألأ. فأساس كلِّ مرارات البشر من الغفلة عن الله، والاهتمام بالمصالح الشخصيّة فقط. والصلاة تُخرج الإنسان من سور الظلام، وتوجّه شهوته وغضبه نحو الحقيقة المتعالية والخير العام« ([1]).
“اليوم يتعرّض الإنسان والإنسانيّة للضغوط الشديدة بسبب سيطرة النظام الآلي على جميع المجتمعات البشريّة، ويضطرّ كلُّ إنسان أنْ يُنظِّم حياته الفرديّة والاجتماعيّة مع الآلة، تلك النغمة الثقيلة والمهلكة للروح، وفي هذا التناغم يخفت لون صلة الرحم والمروءة والعفو والإيثار وكلّ القيم الأخلاقيّة الأخرى، وتختفي في هذا الوضع بل تنهدم الأسرة وحنانها وأخلاق المعاشرة. منذ عشرات السنين أحسّ المشفقون وبعيدو النظر بهذا الخطر الداهم في قلب محيط المدينة الصناعيّة والآليّة وأطلقوا تحذيراتهم، لكنْ للأسف لا يزال ملايين الناس، وخصوصاً الشبّان الّذين يمتلكون أحاسيس مرهفة وروحيّة أكثر تضرّراً من غيرهم، لا يزالون في هذا البلاء الكبير دون دفاع ولا علاج.
لذلك فإنّ الناس اليوم أكثر حاجة من ذي قبل للعلاقة المعنويّة مع الله الرحيم والكريم، والصلاة هي أنجع وأفعل وسيلة لتأمين هذه الحاجة”([2]).
مضمون الصلاة
يتحدّث الإمام الخامنئي دام ظله عن الصلاة الحقيقيّة، الّتي تُقام بحضور القلب، الصلاة الّتي تترك آثارها على حياة الإنسان، والصلاة الّتي تؤثِّر في بناء الذات. والصلاة لا تكون كذلك إلّا إذا أُقيمت بحضور القلب وتوجّهه نحو الحقّ جلَّ وعلا. يقول دام ظله في هذا الإطار: “إنّ العبادات، وعلى رأسها الصلاة، لها كلُّ هذه الأهميّة، وسُمّيت الصلاة بعمود الدِّين، ذلك عندما تكون الصلاة مقرونة بالتوجّه والحضور، فإنّها تجعل قلب المصلّي وروحه والجوّ من حوله لطيفاً ونورانيّاً ومعطّراً، وتُنير البيت والأسرة وجوّ العمل والأصدقاء وجوّ المحلّة وكلّ أجواء الحياة…”([3]).
ويقول في مكان آخر: “رغم ما لدينا حول الصلاة من كلام مختار وقيِّم مرويّ عن الأئمّة المعصومين صلى الله عليه وآله وسلم وعن المفكِّرين وأصحاب الرأي الدِّينيّ ممّا يُنوّر قلوب الهداية الخاصّة، ويُعرّفها بحقيقة وحكمة هذه الفريضة الإلهيّة الكبرى، رغم ذلك ينبغي القول إنّ منزلة الصلاة لم تُعرف جيّداً عند كثير من الناس، حتّى عند الّذين يعتبرون الصلاة فريضة ويؤدّونها. لا شكّ أنّ واجباً ثقيلاً يقع على عاتق علماء المجتمعات الإسلاميّة في هذا المجال، وينبغي أنْ تُستعمل جميع أساليب التبيين والتوضيح من أجل أداء حقّ معرفة الصلاة”([4]).
الصلاة معبر السلوك
“ينبغي القول إنّ الصلاة هي المعبر الأساس لسلوك الإنسان في الطريق الّذي وضعته الأديان الإلهيّة أمام البشر، ليتمكّن من خلاله من بلوغ الهدف والغاية الأساس للحياة، أي الفلاح ونيل سعادة الدنيا والآخرة. والصلاة هي الخطوة الأولى للسلوك إلى الله. لكنْ سعة هذا العامل الإلهيّ كبيرة لدرجة أنّه يُصبح جناحاً يُحلِّق به الإنسان العرشي في أوج كماله البشريّ أيضاً، إلى حدّ أنّ أفضل البشر في التاريخ أي رسول الإسلام الأعظم قال صلى الله عليه وآله وسلم: “الصلاة قرّة عيني” وكان يطلب من المؤذِّن عند حلول وقت الصلاة أنْ يُريح نفسه ويطمئنها بأداء الأذان. ولعلّه يُمكن القول إنّه ليس لأيِّ عملٍ عباديٍّ آخر غير الصلاة كلّ هذا الأثر الكبير وتيسير أمور الإنسان ودعمه خلال جميع مراحل تكامله المعنويّ.
فالصلاة تمنح أفراد المجتمع السلامة والسموّ الأخلاقيّ والمعنويّ أوّلاً، كما أنّها بشكلها ومحتواها الخاصّ تدعو المصلّي للانضباط وتُنجيه من الخواء والضياع، لذلك ينبغي أنْ تُعدّ بحقٍّ كأحد أهمِّ عوامل الانضباط والانتظام الاجتماعيّ.
إذا راجت الصلاة بين الناس بحضور وعن شوقٍ وفي وقتِ فضيلتها، فسينال الناس نتائجها القطعيّة تلك. ومن البديهيّ أنّ الصلاة بكسلٍ، ودون حضور، أو رياء، لن تحمل أيّاً من تلك الفوائد”([5]).
توجيهات أخلاقية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) من ندائه إلى مؤتمر الصلاة (8/9/1998م).
([2]) من ندائه إلى المؤتمر السابع للصلاة في أرومية (28/9/1997م).
([3]) م.ن.
([4]) من ندائه إلى ملتقى الصلاة التاسع (8/9/1999م).
([5]) من ندائه إلى ملتقى الصلاة التاسع (8/9/1999م).