ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ أَعانَ عَلى مُؤْمِنٍ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الإسْلامِ”.
وتعبِّر هذه الجوهرة الكريمة عن موقف الإسلام الواضح الذي لم يترك فيه لَبساً من أمرين اثنين:
الأول: حرمة الاعتداء على المؤمن، بل المسلم، بل كل إنسان، فلكل هؤلاء حرمة لنفوسهم وأعراضهم وسُمعتهم وأموالهم، لا يجوز الاعتداء عليها بحال من الأحوال، إلا إذا كان ذلك الشخص معتدياً أو محارباً، قد أعلن الحرب وباشر الاعتداء عليك فيجب أن تدفعه عن نفسك وعرضك ومالك، ولو وصل الأمر إلى قتله، لأنه جاء إليك قاتلاً معتدياً، وهذا ما تتفق عليه جميع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، وحق الدفاع عن النفس والمال والعِرض.
الثاني: حرمة الإعانة على ظلم الآخر بأي شكل من الأشكال، إلا إذا كان ظالماً معتدياً فيجب إعانة المظلوم المسلوب ماله والمنتهكة كرامته والمُعتَدى على عِرضه.
إن الله تعالى حرَّم قتل النفس حرمة قطعية، إذ قال: “وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴿الإسراء/33﴾. إن الآية تنهى عن قتل النفس اعتداءً عليها من دون سبب موجب (إلا بالحق) كأن يكون قاتلاً فيُقتَصُّ من القاتل نفسه، ولا يجوز قتل سواه ممن لا جريرة له ولا وزر عليه، إذْ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى. فلو تعدَّاه إلى قتل غيره كان إسرافاً في القتل وهوحرام قطعاً عقلاً وشرعاً.
وقال رسول الله (ص): “لَزَوالُ الدُّنْيا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ”.
وأموال الناس حرام، وهي محفوظة ومحترمة في الإسلام، فلا يجوز التعدِّي عليها بأي شكل من الأشكال وبأي حال، إلا أن إذا كان يريد الشخص أن يستنقذ ماله مِمن ينكره أو سلبه منه، قال رسول الله (ص): “كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ ومَالُهُ وعِرْضُهُ”.
وقال (ص): “إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوالَكُمْ وَأَعْراضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذا في شَهْرِكُمْ هَذا في بَلَدِكُمْ هَذا”.
وقال الإمام الصادق (ع): “المُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنَ الكَعْبَةِ”.
إن هذه الروايات الشريفة وغيرها كثير، تدل على علو مكانة المؤمن عند الله تعالى، وحرمة دمه، وماله، وعِرضه، وكرامته، ووجوب احترام جميع ذلك، وصون، والذود عنه، وكما يحرم التَّعدي على ذلك كله تحرم إعانة المُعتدي على اعتدائه وظلمه، والإعانة تشمل جميع أشكال التعاون، سواء كانت بالمشاركة المباشرة، أو التحريض، أو حتى التستر على الظالم. وقد ورد في القرآن الكريم: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” ﴿المائدة/2﴾.
وقال رسول الله (ص): “مَنْ مَشَى مَعَ ظَالِمٍ لِيُعينهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ظالِمٌ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلامِ”.
بل دعا الإسلام إلى نُصرَة المظلوم والدفاع عنه والذُّود عن حُرمته، ولقد كان آخر ما أوصى به الإمام أمير المؤمنين الإمامين الحسَنَ والحُسَين (ع) أن قال: “كُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً ولِلْمَظلومِ عَوْناً”.
ما يؤسف له أن المسلمين اليوم يعين بعضهم أعداءهم على بعضهم الآخر، تباد شعوب إسلامية، وتدمَّر بلدانها، ويُجزَّر بأطفالها ونسائها، والمسلمون والعرب بين معين لأعدائهم بالقتال المباشر، أو داعم لهم بالمال، أو متبرِّع لهم بالدعاية والإعلام، أو محرِّض لهم على مزيد من القتل، أو ساكت صامت لا شأن له.
إلا ثلة قليلة، قليلة جداً، صدقوا الله ما عاهدوه عليه، قد بذلوا أقصى ما يمكنهم بذله في الدفاع عن المظلومين الذين لا ناصر لهم ولا معين.
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي