رحمة الناس سبيل لنيل رحمة الله

رحمة الناس سبيل لنيل رحمة الله
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ لَمْ يَرْحَمِ النّاسَ مَنَعَهُ اللّهُ رَحْمَتَهُ”.
رحمة الناس سبيل لنيل رحمة الله، هذه هي المعادلة التي يذكرها الإمام أمير المؤمنين (ع)، وهي تعكس مبدأً إنسانياً وأخلاقياً عظيماً، فالرحمة ليست مجرد شعور عابر، بل هي سلوك يعكس طبيعة الإنسان المؤمن من حيث تخلُّقه بأسماء الله تعالى،ورغبته في بناء مجتمع متراحمٍ متماسك، وهذا المبدأ يرتكز على ضرورة التعامل مع الآخرين برِفق ولِين.

إن الرحمة من أعظم صفات الله عز وجل، هو الرحمان الرحيم، يعامل خلقه برحمة، ويهيء لهم جميع ما يحتاجون إليه في سيرهم التكاملي، قال تعالى: “…وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ…”﴿الأعراف: 156﴾.

إن سعة رحمة الله تعالى من مقتضيات ألوهيته ولوازم ربوبيته، وقد اتسع فيها كل شيء خلقه وأوجده، فلا تختص بمؤمن ولا كافر، ولا ذي شعور أو غير ذي شعور، ولا تقتصر على الدنيا دون الآخرة، أو على الآخرة دون الدنيا، إنها رحمة عامة شاملة مطلقة لا تختص بأحد دون أحد.

إن المؤمن يتمثَّل في سلوكياته صفات الله تعالى -ولله المثل الأعلى-  فيرحم الناس كما يرحمه الله، ويستمطر رحمة الله برحمته لهم، ويلطف بهم كما يلطف الله به.

وتتجلَّى رحمة المؤمن بالناس، في الكثير من المصاديق، من رحمة بالضعفاء، والمحتاجين، والفقراء، والمساكين، والمرضى، والأيتام، ومساعدتهم وتوفير حاجاتهم، والصبر على طلباتهم، والتفَقُّد لهم، والاهتمام بأمورهم، وحل مشاكلهم، وتعليمهم، والتفهُّم لهم، والرِّفق بهم، والصفح عنهم، والتجاوز عن زلّاتهم، وسوى ذلك من مظاهر الرحمة واللين واللطف، قال تعالى:  “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” ﴿آل عمران: 159﴾.

نحن اليوم أحوج ما نكون إلى تعزيز الرحمة في نفوسنا، وفي مجتمعاتنا، لتكون هي القاعدة التي تقوم عليها علاقاتنا الزوجية والأُسرية والعائلية والاجتماعية، فيرحم بعضنا بعضنا الآخر، ويعينه، ويسانده، ويكفله، ويُحسِن إليه، ويواجه إساءته بالصَّفح والغُفران، ويتجاوز عن زلّاته، ويغضي عن سيئاته، ويكون له كما يحب أن يكون الآخر له، وذلك يتطلَّب تعزيز ثقافة الرحمة في المجتمع من خلال التعليم والتربية، سيما الأطفال بحيث تتم تنشئتهم على الرحمة، والرأفة، والتعاون، والتكافل، والإحساس بالآخرين، وتوجيههم نحو احترامهم وتقديرهم، ونشر الوعي حول حقوق الناس وضرورة احترامها، وأفضل ما يكون ذلك من خلال القدوة الحَسَنَة، فالرحمة ليست مجرد صفة شخصية، بل هي واجب أخلاقي وديني يجب أن يتجسَّد في كل جوانب حياتنا.

فلنكن رحماء بغيرنا حتى ننال رحمة الله وعفوه في الدنيا والآخرة.

بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل