مَنْ بَذَلَ لَكَ جُهْدَ عِنايتِه فَابْذُلْ لَهُ جُهْدَ شُكْرِكَ

مَنْ بَذَلَ لَكَ جُهْدَ عِنايتِه فَابْذُلْ لَهُ جُهْدَ شُكْرِكَ

من المؤكَّد أننا جميعاً قد واجهنا الكثير من المواقف المماثلة، ومن المؤكَّد أننا تألَّمنا يومذاك، وبعض منا قد أصدر أحكاماً مُبرمة بالجحود والنُكران، وفعل القبيح على الطرف الآخر. 

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ بَذَلَ لَكَ جُهْدَ عِنايتِه فَابْذُلْ لَهُ جُهْدَ شُكْرِكَ”.
هَبْ قارئي الكريم أنك أحسنت إلى شخص قريب منك أو بعيد، وسعيت في خدمته وقضاء حوائجه، ثم لم تكن منه كلمة (شكرا) فمن المؤكَّد أنك ستحزن بسبب ما قابلك به، وسيكون أَلَمُك مضاعفاً لو استقَلَّ ما فعلته له، فاعتبر أنك لم تفعل له إلا القليل القليل، وسيتضاعف أَلَمُك النفسي لو زاد على ذلك فجحد فضلك وأنكر جهدك.
من المؤكَّد أننا جميعاً قد واجهنا الكثير من المواقف المماثلة، ومن المؤكَّد أننا تألَّمنا يومذاك، وبعض منا قد أصدر أحكاماً مُبرمة بالجحود والنُكران، وفعل القبيح على الطرف الآخر.
قلة قليلة، قليلة جداً، تعطي، وتخدم، ولا تنتظر مقابلاً، لا تنتظر كلمة شكراً، ولا تهتم لها إن قيلت، تلك القلة هي التي تتجاوز ذاتها في كل شيء، هي التي تعامل الله تعالى، تتطلَّع إلى ما لديه من الثواب، فتتقرِّب إليه بخدمة العباد، هذه الفئة قليلة -وقليل من عبادي الشكور- أما الأعَمُّ الأغلب من الناس ينتظرون مقابلاً مادياً تارة، أو معنوياً تارة أخرى، كُلٌ بحسبه، وبعضهم يكتفي بالثناء عليهم، وقد يكفيهم أن يُقال لهم (شكراً) ويرون ذلك الفعل واجباً أخلاقياً، يحكم بذلك عقلهم، حيث يرى لزوم شُكر المُنعِم، بل حتى ذلك الذي يعطي ولا يرجو مقابلاً، ولا جزاءً ولا شكوراً، يُسَرُّ إن قيل له: شكراً، ويحكم على من بخل بهذه الكلمة بأنه فعل قبيحاً.
“مَنْ بَذَلَ لَكَ جُهْدَ عِنايتِه فَابْذُلْ لَهُ جُهْدَ شُكْرِكَ” هذه قاعدة أخلاقية كبرى قارئي الكريم، من بذل جُهده في العناية بك وخدمتك، فقابله بالشكر، وأظهِر له الاعتراف بالجميل، وجازِه بالمثل، أحسِنْ إليه كما أحْسَنَ إليك، فإن فعلتَ ذلك كنتَ على خلق كريم.
هذه القاعدة الأخلاقية يؤكد الله تعالى عليها بقوله: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴿الرحمان: 60﴾. إن مجازاة الإحسان بالإحسان حقيقة فطرية يشهد بها جميع البشر، وقانون أخلاقي عام يُجمعون عليه، وقد رَوى عليُّ بن سالم قال: سمعتُ أبا عبد الله الصادق (ع) يقول: “آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُسَجَّلَةٌ. قُلْتُ: مَا هِيَ؟ قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسٰانِ إِلاَّ الْإِحْسٰانُ، جَرَتْ فِي الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَافِئَ بِهِ، وَلَيْسَتِ الْمُكَافَاةُ أَنْ يَصْنَعَ كَمَا صُنِعَ بِهِ، بَلْ حَتَّى يَرَى مَعَ فِعْلِهِ لِذَلِكَ: أَنَّ لَهُ فَضْلَ الْمُبْتَدِئِ”.
إن شكر الذي يبذل جهده في خدمتك، يعكس سُمُوَّ أخلاقك، وكرم ذاتك، وأنك لا تنسى فضل الآخرين عليك، وأنك تردّ لهم الجميل وتعترف لهم به.
وإن شكر من يُنعِمُ عليك ويخدمك يشجعه على المزيد من الجميل، ويُسهِم في تعميق أواصر المحبَّة والثقة بينك وبينه، فضلاً عن أن الشكر يقرِّبك من الله تعالى، لأنه يعكس انسجامك مع قيَمه السامية، فإنه تعالى هو الشاكر والشكور، وقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) أنه قال: “مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ الله” وهذه دعوة لكل مسلم أن يتخلق بأخلاق الشكر، وأن يسعى لتطوير علاقاته الاجتماعية على أساس من المحبة والاحترام، مما يثمر علاقات متينة، ومجتمعاً متماسكاً قائماً على الأخوة والتعاون.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل