الحسين أحمد كريمو
الإسلام نظام حياة متكامل، ومنظومة قيم حضارية كاملة، وفيه لكل شيء حُكم، ولكل أمر هدف، لأن الحياة والدُّنيا لم تُخلق عبثاً بل خُلقت هادفةً، وهذا ما بيَّنه ربنا سبحانه وتعالى في محكم التنزيل حيث قال: ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ). (الأنبياء: 17)
والرِّياضة هي من الأمور التي اهتم بها الإسلام منذ البداية. لأن لها أهمية كبيرة في هذه الحياة. ولكن ليست على غرار ما نراه ونعرفه ونعيشه الآن في هذا العصر. الذي حوَّل كل شيء إلى لعب بلا فائدة ولكن لعب من أجل اللعب. وتقضية الوقت، والكثير من الشَّباب خاصَّة صارت لديه ثقافة يسمِّيها – للأسف الشَّديد – أنه سيقتل وقته. فيذهب ويلعب أو يلهو بما لا فائدة منه إلا قضاء وقت ميِّت فيقتله كما يظن. ولكنه لم ينتبه إلى مسألة هي في غاية الأهمية؛ وهي أن وقته حياته. وعندما يقتل وقته بهذه الطَّريقة الغير مسؤولة ولا حضارية فهو يقتل نفسه بيده. فهو انتحار مخفَّف. وقتل للعمر بشكل متعمَّد.
وما يجب أن يعلمه شبابنا الأعزاء. أن الوقت هو أنت. ولكن بصورة زمنية. وفي مجرى الشمس والقمر. فيجب أن تحافظوا على أنفسكم وتصونوا أعماركم وتبخلوا بها. حتى لا تضيع منكم ولا حتى لحظة واحة فتندمون عليها في الدُّنيا والآخرة. ولقد أحسن مَنْ قال: “وقتك حياتك”. لا سيما وأن (الشَّباب سَحَابَةُ صَيفٍ قَرِيبَاً تَقَشَّعُ). والشَّباب ربيع العمر، وجماله، وبهاؤه. فلا تضيِّعوا ربيعكم بالألعاب والتوافه وما لا فائدة منه.
نعم لدينا ألعاب في الإسلام والرَّسول الأكرم (ص). كان يشجِّع الشَّباب والأهل على اللعب مع الأطفال من أجل تعليمهم. وتنميتهم. وتطوير مهاراتهم. فكان يقول (ص): (عَلِّمُوا أَوْلاَدَكُمُ اَلسِّبَاحَةَ وَاَلرِّمَايَةَ). و(نِعمَ لَهوُ المَرأةُ فِي بَيِتِهَا المَغزَل). ولا سيما رياضة (رُكُوبَ الخَيْلِ وَالفُرُوسِيَّة). لأنها من الرِّياضات العربية التي نتوارثها من أبينا إسماعيل. الذي هو أوَّل مَنْ ركب الخيل واستأنسها، ولذا قال (ص): (الخَيلُ مَعقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيرُ إِلَى يَومِ القِيَامَة).
وكذلك الرِّماية التي قال فيها الرَّسول الأكرم (ص): (ارمُوا بَنِي إِسمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُم كَانَ رَامِيَاً). وخطب على المنبر، وقال: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعتُم مِنْ قُوَّةٍ، أَلَا إِنَّ القُوَّة الرَّمِي) يُكررها ثلاثاً.
فهذه الرِّياضة الرَّاقية التي تشدُّ القوة، والعزم، وتعلِّم الرَّامي الدِّقة، والصبر، والمراس. على هذه الرِّياضة الهامَّة والضَّرورية لكل شاب مؤمن في هذا الزَّمن الأغبر الذي تداعت فيه قوى الشَّر العالمي لاستضعافه ومحاولة قهره. أو قتله إذا لم ينفِّذ ما يطلبون منه. أو يخططون له ولأمته من مكائد ومصائد.
وهذه الرِّياضات العربية التي حضَّ عليها الإسلام. وشجَّع عليها الرَّسول الأكرم وأهل البيت الأطهار (ع) الذين انطلقوا من كتاب الله تعالى حيث قال: ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) (الأنفال: 60)
فهذه الرِّياضات هي من أهم طرق وأساليب الإعداد لمواجهة أعداء الله وأعداء الأمة. ولذا نجد أن هذه الرِّياضة من أعمالنا الهادفة، وليست من الأعمال التافهة. كما يراد لكل الألعاب التي يمارسها هؤلاء الذين لا رسالة ولا عمل لهم.
لأنهم سرقوا ونهبوا خيرات الشُّعوب والأمم قاطبة وراحوا يتنعَّمون بها وليملأوا فراغاتهم الرُّوحية والحياتية راحوا يتفنَّنون في اختراع هذه الرِّياضات ليشغلوا العالم والبطَّالين بها، ويلهوهم عن أعمالهم وسياساتهم التي يمررون الكثير منها من خلال هذه الألعاب لا سيما كرة القدم التي صار لها سوق رائجة في هذا العصر.
فنحن لدينا رسالة ولشبابنا أهداف رسالية وليس لديهم وقت للقتل، ولا فراغ ليملؤوه بالتوافه بل هم شباب رساليون بكل ما في الكلمة من معنى ومبنى، ولذا عليهم أن يهتمُّوا بهذه الرِّياضات الهادفة ويبتعدو عن الرِّياضات التافهة، والتي لا قيمة عملية لها في مسألة الإعداد والجهاد التي أمر الله تعالى بها.