المقاومة والصمود بمعنى الثبات، الرسوخ، الدفاع والصبر على المشكلات.
يقول الإمام الخامنئي في 30 بهمن عام 1370 [19/2/1992]: «تحمّل تلك المشكلات أدّى إلى إيجاد شخصيّة في هذه المدرسة [الفيضيّة] … مثل الإمام الخميني، وإلى أن يغيّر العالم. فالتحوّل الذي أوجده الإمام لم يكن محصورًا بإيران؛ حتمًا ما أنجزه في إيران كان أشبه بالمعجزة. لقد أوجد إعصارًا في العالم. كلّ هذه الأمور مرتبطة بالثبات والصمود».
يقول سماحته في 14 خرداد 1375[3/6/1996]: «لحركة الإمام الخميني شَبَهٌ كبير بثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، وهي تقريبًا اتّخذت من الحركة الحسينيّة نموذجًا لها… من جملة الخصائص الموجودة بنحو بارز في كلا الحركتين، مسألة الثبات. قيل يومًا للإمام الخميني، إن استمررت في هذه النهضة، فإنّ الحوزة العلميّة في قم ستُقفل. وفي يوم آخر قيل له: إن استمررت في هذا الطريق قد يؤلبون عليك كبار العلماء والمراجع ويحرّكونهم ضدّك. وقيل مرّات للإمام إنّك تشجّع الناس على الوقوف في وجه النظام البهلوي، من سيتحمّل مسؤوليّة الدماء التي ستسقط؟ لقد ارتعدت مفاصل الجميع في هذا الميدان؛ لكنّ الإمام لم يهتزّ؛ لم يغيّر طريقه وتقدّم. كثيرون ينثنون عن متابعة الطريق بفعل الضغوط؛ لكنّ الإمام صمد حتّى انتصر».
يقول الإمام الخامنئي في 14 خرداد 1378[حزيران1999]: «لم تكن أيّ حادثة [مهما] كانت عظيمة لتكسره وتجبره على الرضوخ أمامها. ففي كلّ الحوادث المريرة والصعبة التي حدثت في زمن قيادة ذلك الرجل العظيم، ولم تكن بالقليلة، كان الإمام أكبر منها جميعًا».
وهكذا كان الحاج قاسم سليماني مثل مراده، لا يهاب التهديدات ولا الضغوط؛ ثبت في كلّ الميادين؛ قاوم وصمد وانتصر على أعداء متعدّدين.
في العام 1361[1982]، في عمليّات رمضان، وبسبب الإخفاق، آل الأمر إلى وضع اضطّر القائد العام للحرس الثوري الإيراني الأخ محسن رضايي أن يعلن في جمع قادة مقرّ كربلاء: فلنطفئ المصابيح، وليغادر كلّ من لا يستطيع البقاء من القادة! فكان الحاج قاسم سليماني، القائد الأوّل في ذلك الاجتماع، الذي تحدّث عن تجديد العهد.
في زمن الحرب مع داعش في العراق وسوريا، كان سليماني كما في حرب السنوات الثماني، مثالًا للصمود والثبات.
يقول المتحدّث باسم الحشد الشعبي في العراق السيّد أحمد الأسدي: «لقد كان الحاج قاسم سليماني حاضرًا دومًا في معظم العمليّات. وأظنّ أنّ أيّ توجيه استراتيجي لا يحصل إلّا ذلك الذي ينتهي بتوجيهاته وإرشاداته».
يقول السيّد مسعود البارزاني: «كانت داعش قد وصلت إلى مشارف أربيل، وكان الخوف من أن تحتلّ المدينة قريبًا. بعد هجوم داعش اتّصلت بالأمريكان، بالأتراك، بالبريطانيّين، بالفرنسيّين، وحتّى بالسعوديّة؛ فكان جواب رؤساء هذه الدول، إنّهم الآن لا يستطيعون تقديم أيّ مساعدة… فاتّصلت على الفور بالحاج قاسم سليماني وشرحت له الأوضاع بالدقّة. قال لي الحاج قاسم: سأكون غدًا بعد صلاة الصبح في أربيل. قلت له: إلى الغد تكون الفرصة قد فاتت؛ تعال الآن. قال الحاج: كاك [أخ] مسعود، فلتحافظوا على المدينة الليلة فقط. في صباح اليوم التالي كان الحاج قاسم في مطار أربيل. فذهبت لاستقباله. كان قد جاء برفقة 50 عنصرًا من قوّاته الخاصّة. فذهبوا على الفور إلى مناطق الاشتباكات وأعادوا تنظيم قوات «البيشمركة»، وفي ظرف عدّة ساعات انقلبت الأمور لمصلحتنا. فيما بعد أسرنا قائدًا من داعش وسألناه، ماذا حصل حتّى انسحبتم وقد كنتم على مشارف أربيل؟ أجاب: أخبرنا عناصرنا النفوذيّون في أربيل بأنّ قاسم سليماني في أربيل؛ فانهارت معنويّات عناصرنا وانسحبنا».
يقول قائد الحرس في محافظة خراسان الجنوبيّة علي قاسمي: «إنّ حضور الفريق سليماني في العمليّات كان يرفع من معنويّات كلّ العناصر. ويقوّي قلوبنا… كان دائمًا يحضر بنفسه في مناطق العمليّات والميدان»[1].
يقول مستشار الحاج قاسم سليماني القائد حسن بلارك: «في العام 1999. عندما وصلنا خبر هجوم طالبان، وقرب سقوط أفغانستان. توجّه عند الساعة الثامنة صباحًا إلى أفغانستان»[2].
يقول الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله: «مثلًا هو قائد قوّة في الحرس، ويستطيع أن يجلس في إيران في طهران، ويقول للآخرين تعالوا إليّ كل مدة. ويجلس معهم ويستمع اليهم ويتابع مسائلهم بشكل طبيعي وروتيني. أو اذا يحضر إليهم. أي أن يأتي إلى لبنان أو سوريا أو العراق أو أماكن أخرى. مثلًا كلّ ستة أشهر أو سنة يذهب مرة لتفقدهم، وعادة قد يتصرف هكذا بعض القادة».
وقال السيد نصرالله: «مكتب [مدرسة] الحاج قاسم يعني الذهاب إلى ساحة العمل، إلى الميدان، الذهاب إلى الآخرين، نحن منذ 1998 يعني منذ بدأنا العلاقة والمعرفة بيننا وبين الحاج قاسم يعني تقريبا 20 أو 22 سنة الى آخره. عدد المرات التي ذهبنا إليه مرات قليله. لكن دائما هو من كان يأتي إلينا، طبعًا هذا المجيء إلى الساحة، إلى الميدان، فهو يلتقي بالإخوة، يراهم جميعًا، يذهب إلى الميدان مباشرة. يستمع الى المقاتلين والمجاهدين».
ويتابع قائلًا: كان دائمًا يذهب إلى فم الموت والخطوط الأمامية… في حرب تموز حرب الـ33 يومًا 2006، هو جاء من طهران إلى دمشق واتصل بنا وقال أنا أريد أن آتي اليكم إلى الضاحية الجنوبية، فقلنا له كيف؟ أصلًا لا يمكن. الجسور تم ضربها، الطرقات مقطعة، الطيران الحربي الإسرائيلي يقصف كل الأهداف. والوضع وضع حرب بالكامل، أصلًا لا يمكن الوصول إلى الضاحية وإلى بيروت، ولكن هو كان مصرًّا جدًّا وقال إن لم ترسلوا السيارات لتأتي بي أنا سآتي هكذا، يعني أصرّ ووصل، وبقي معنا كامل الوقت».
يقول القائد سليماني: «لم أعد إلى أن انتهت الحرب، وبقيت في هذه الـ33 يومًا في لبنان. وبعد أن انتهت الحرب، عدت إلى إيران»[3].
يقول الدكتور نوري المالكي: «بعد أن تنحّيت عن منصب رئاسة الوزراء [في العراق]، ذهبت إلى مناطق الاشتباك الواقع إلى الشمال من ديالى. وصلنا إلى منطقة تقع بين قوّات داعش وقوّاتنا؛ يستقرّ فيها الجيش والحشد الشعبي معًا. كان الوضع خطيرًا. لم يسمحوا لي بأن أمكث هناك طويلًا؛ لأنّ القذائف كانت تتساقط باستمرار. فجأة رأيت الحاج قاسم يترجّل من سيّارة. كان آتيًا من جهة جبهة الأعداء وخطّ التماس… وكان حاضرًا في الخطّ الأمامي الذي لم يسمح لي الإخوة بالمكوث [بالقرب منه] طويلًا، وكانوا يقولون إنّ المنطقة خطرة!»[4].
كان أيضًا يمتلك هذه الروحيّة في مرحلة حرب السنوات الثماني [بين إيران والعراق]. يقول نائب [قائد] فرقة ثار الله في مرحلة حرب الدفاع المقدّس المهندس مصطفى مؤذن زاده: «في عمليات كربلاء 1، تقدّم القائد سليماني برفقة أحد عناصر معلومات العمليّات على درّاجة ناريّة إلى قلب الجبهة، ولم ينتظر إلى حين تطهير الخطّ، مع أنّ العراقيّين كانوا منتشرين في المنطقة»[5].
يقول السيّد موحّد أميري: «في عمليّات كربلاء 5، كنت في مقرّ القوّات البريّة للحرس. ذهبت يومًا من أيّام هذه العمليّات برفقة بعض الشباب إلى شرق البصرة سالكين «قناة ماهي» [قناة السمك]، لنستطلع المنطقة للعمليّات اللاحقة. كانت المنطقة هناك مقدّمة الجبهة ومنطقة العمليّات، ولم تفصلنا عن قوّات العدوّ سوى أمتار… وهناك انتبهت إلى وجود الحاج قاسم. سألت: ماذا تفعل هنا؟ أجاب الحاج قاسم: «وما الذي يميّزني عن باقي شباب الفرقة حتّى أكون خلفهم؟ أنا كسائر الشباب ولا فرق بيني وبينهم.»[6]
يقول سفير إيران الأسبق في الأردن السيّد مصطفى مصلح زاده: «الميزة الأهمّ في قاسم سليماني أنّه لم يكن يهاب الطرف المقابل، وكان يرد الميدان على الرغم من كلّ التهديدات. فكان في البداية يوقف تقدّم العدوّ، ومن ثم يتغلّب وينتصر عليه»[7].
يقول القائد سليماني بتاريخ 9 مهر 1398 [1/10/2019] في جمع من القادة والمسؤولين في حرس الثورة الإسلامية: «الحرس يخاطر؛ لكن بحكمة؛ بوعي. إن لم يخاطر الحرس وخاف، فليس بحرس… وإن خاف الحرس، سيخاف الجميع. إن تحليل الحرس، وشجاعته وثباته وصموده، يؤثّر في كلّ أنواع الصمود والثبات… لقد خُلِقَ الحرس من قلب الأزمات الصعبة والمظلمة، والتي لا يُعلم متى ستنتهي، ومن قلب الوجل وهذا الخوف الصعب، أهمّ الفرص … ولقد أنتج من الدفاع المقدّس وتلك القمّة النورانيّة، نورانيّة أخرى باسم «الدفاع المقدّس عن المقامات» وصمد… لقد طوّر الحرس المقاومة كمًّا وكيفًا».
وقال في موضع آخر: «ذات مرّة ناداني الإمام الخامنئي، وأشار إليّ أن تقدّم. عندما اقتربت منه، فتح كتابًا كان بين يديه وأراني صوَر عدد من الشهداء؛ الشهيد باكري، الشهيد باقري والشهيد زين الدين، وكانت صورة لي من ضمن تلك الصور.
فقال لي القائد: ما وجه الشبه بين صورتك وسائر الصور؟ وحيث إن الصورة كانت التقطت في أيّام شبابي قلت: كنّا في السنّ نفسه.
قال القائد: لقد أدّى هؤلاء تكليفهم ورحلوا، وكانت المصلحة الإلهيّة أن تبقى أنت وتقوم بالعمل الذي ربّما يكون أصعب من أعمالهم هم. إن لم تكن أنت موجودًا، من الذي سيقوم بهذا العمل؟[8]».
یقول القائد العليّ الشأن الحاج قاسم سليماني في الاجتماع الثالث والعشرين لقادة الحرس ومسؤوليه: «كان للحرس شبهٌ كبيرٌ بالإمام الحسين (عليه السلام)؛ الحرس الذي تربّى في النور، وربّى النور في أحضانه. بالأمس ربّى في أحضانه الشهيد فهميده، ومن تربية الشهيد فهميده تلك نما اليوم الشهيد حججي، الشهيد إسكندري والشهيد جواد الله كرم؛ فكانوا أشبه الناس، من بين المدافعين عن المقامات، بسيّد الشهداء الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)؛ الحرس المقطوعي الأيدي، الحرس الذين فقدوا إحدى أعينهم، الحرس الذين تلاشت رؤوسهم… جواد الله كرم والشهيد حججي وحسين إسكندري، قُطعت رؤوسهم في الغربة بعيدًا عن أمّهاتهم وأخواتهم. ولقد التهمت السباع في الصحراء نصف جسد الشهيد حججي، ولملمناه من دون رأس… يقول الإمام الخامنئي: الحرس في كربلاء 5، كرّروا واقعة عاشوراء… إلى الغرب من قناة السمك، كان المكان مملوءًا بالجثث؛ جثث شباب مكدّسة فوق بعضها البعض».
لقد كتب الشهيد سليماني في رسالة إلى رفاقه الشهداء: «أعزّائي! لقد شاهدت تضحياتكم مرّات ومرّات، وحضرتُ عند مقتلكم مئات المرّات. سمعتُ بأذنيّ خرير حناجركم المذبوحة. ورأيت انسحاق إخوانكم تحت سلاسل الدبّابات وسمعتُ نداءاتكم خميني خميني تحت سياط الجلّادين، رأيت كيف استشهدتم ظلمًا، ومعنويّاتكم [العالية]، حيث لا تزال تشققّات أعقاب أقدامكم في خوزستان وكردستان تفور دمًا. لقد شممتُ رائحة أبدانكم المحترقة في مئات من حقول الألغام، والهجومات والهجومات المضادّة؛ الأبدان التي طمرتها الصواريخ المنفجرة في الحفر إلى الأبد. إنّ كلّ أملي في القيامة، هو نظرة الوداع الأخيرة لعاشق، وقبلة الوداع التي لا أزال أحسّ بحرارتها في خريف عمري هذا. لقد نشأت في أرضكم، وسُقيت من دمائكم، وكلّ براعم خدمتي تفوح برائحة دمائكم. قاسم، من دونكم ليس قاسمًا. قاسم، بكم أصبح قاسمًا. حياتي من دونكم موت، والموت معكم حياتي التي ألتذّ بها»
.لقد جعلوا بشجاعتهم ومروءتهم وثباتهم وصمودهم وروحيّة طلب الشهادة لديهم، من قاسم قاسمًا. وبرؤية القائد سليماني لكلّ هذه المشاهد، عزم على الوقوف، وعلى جني ثمرة دماء أصحابه التي هي انتصار الإسلام.
لقد كتب الحاج قاسم سليماني هذه الرسالة إلى علي وخانعلي ومحمد ومحمود ومهدي وحسين والسيّد جواد، الشهداء الذين يعبقون برائحة فرقة ثار الله.
ويكتب أيضًا في رسالة إلى الأسير المحرّر في فرقته، أحمد يوسف زاده[9]: «إنّني أفخر بكوني كرمانيًّا؛ بامتلاك جواهر من أمثال «شهسواري» الذي نادى بالموت لصدّام، والموت لأعداء الإسلام وهو في قبضة العدوّ، وأظهرَ أنّه تعلّم درسه من مدرسة الإمام السجّاد (عليه السلام) جيّدًا، وأمير شاه بسندي الذي كووا جسده بالمكواة بعد أن تناثر لحمه بفعل ضربات السياط، وأحمد يوسف زاده، زاد خوش، مستقيمي، حسني و… الذين صنعوا من الأسر مفخرة».
كلّ هؤلاء كانوا من تلاميذ مدرسة سليماني الذي نفسه وقف حتى النفس الأخير؛ وتناثر جسده وتمزّق إربًا بفعل ضربات صواريخ العدوّ؛ وقد كتب في وصيّته: «ادفنوني إلى جانب قبر حسين يوسف إلهي في كرمان، واكتبوا على شاهد قبري: الجندي قاسم سليماني».
وها هو اليوم الشعب الإيراني وشعوب العالم، يحسبون الحاج قاسم سليماني شهيد المقاومة والصمود، ويعدّون الثبات والصمود من معالم مدرسة ذلك القائد الشهيد، الذي نفسه كان مؤمنًا بأنّه جنديّ في ركاب العبد الصالح الإلهي، الخميني الكبير؛ ويقول فيه إمامه ومراده الخامنئي العزيز: «لقد كان مثالًا بارزًا للمتربّين في مدرسة الإسلام ومدرسة الإمام الخميني».
[1] العدد الخاصّ بمدرسة الحاج قاسم، ص59.
[2] العدد الخاصّ بصحيفة إطلاعات، 24 بهمن 1398، ص49.
[3] المصدر نفسه، ص 147.
[4] المصدر نفسه، ص 213.
[5] العدد الخاصّ بصحيفة إطّلاعات، 24 بهمن 1398، ص11.
[6] المصدر نفسه، ص27.
[7] وكالة تسنيم، 21 بهمن 1398.
[8] خبرآنلاين [الخبر العاجل] 27 اردیبهشت 1399.
[9] مؤلف كتاب: أولئك الثلاثة والعشرون فتى.